من أعظم أسباب طول الأمل حب الدنيا، وهو المرض العضال الذي أعيا الأولين وأعيا الآخرين.
ومن أسباب طول الأمل: الجهل بحقيقة هذه الحياة، والحقيقة التي لابد من أن يعيها كل واحد منا: هي أننا في هذه الدنيا ضيوف، وأننا على وشك الرحيل طال الزمان أو قصر، فكم هي مدة هذه الضيافة؟ لا يعلم ذلك إلا الله جل في علاه قال تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:٢].
فالجهل من أعظم أسباب طول الأمل، فإن الشاب بجهله يعول على شبابه وعلى قوته، وتناسى المسكين أن أكثر من يموت هم الشباب.
وقد أرسلت إلي رسالة قال فيها كاتبها: خرجت في عصر هذا اليوم أهنئ جيراناً لي بمولود جديد وأعزي الآخرين في وفاة ابن من أبنائهم.
فقلت: هكذا سنة الحياة، أناس يحيون وأناس يموتون، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تغييراً.
ويا للعجب! ندفن الموتى ونودعهم ولا نعتبر، ونظن أن الموت قد كتب على الآخرين ولم يكتب علينا، يقول ثابت البناني: كنا إذا سرنا في جنازة لا نرى إلا باكياً متقنعاً، وكنا لا ندري من نعزي لكثرة الباكين.
وانظر إلى جنائزنا اليوم، فسترى الضاحكين والمبتسمين يمنة ويسرة، فإن لم يغير الموت طباعنا وسلوكنا ويجعلنا نستعد للقاء الله تبارك وتعالى فأي واعظ بعده يعظنا؟! فالشاب يعول على شبابه، وتناسى المسكين أن أكثر من يموت هم الشباب، وحين يموت شيخ واحد فانظر كم مات في زمن حياته من الشباب؟ وكم يموت من الشباب والأطفال والصغار والكبار، وهذا المسكين يعول على قوته، ويعول على صحته، ويسوف بقوله: غداً أستقيم، غداً أرتبط بالمساجد، إذا انتهيت من هذه السفرة، إذا انتهيت من بناء هذا البيت! ولا يزال المسكين يمني نفسه ويسوف ويؤخر حتى يأتيه الموت على حين غرة.
وقد اتفق أهل العلم قاطبة على أن الموت ليس له مكان معين ولا زمن معين ولا عمر معين ولا سبب معين، وإنما يأتي بغتة ونحن لا نشعر: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نشاهد ذا عين اليقين حقيقة وكأننا بما علمنا يقيناً نكذب إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرتجيه أقرب