مع البداية أهمس لك همسة: كان هناك فتاة عابدة صوامة قوامة في عمر الورود والأزهار، من بنات هذا الجيل لا من بنات الأجيال الماضية، تقدم لها شاب فترددت فقيل لها: لماذا التردد ولماذا لا توافقين؟ قالت: أحب الصيام والقيام! فقيل لها: إن خدمة الزوج عبادة وقربة إلى الله، فأنت في خير وعبادة، فاستخارت ثم قطعت التردد بالموافقة، قالت: لكن بشرط واحد ليس لي شرط سواه، قالوا: وما هو؟ قالت: أن يأذن لي بصيام ثلاثة أيام من كل أسبوع، فهي تعلم أن صيام النافلة لا بد أن يكون بإذن زوجها، فأخبروه ففرح بالشرط ووافق, وفرحت هي بموافقته وزفت إليه، وبني بيت على تقوى من الله ورضوان.
الله أكبر! نريد بيوتاً تبنى على صيام بالنهار وقيام بالليل، من مثل هذه البيوت يتخرج الرجال والأبطال.
وإليك أنت أيضاً همسة أهمسها مع البداية.
اعلم بارك الله فيك! أن كل الأبطال تخرجوا من مدرسة الليل، ففي الظلام تعلموا الإخلاص والإقدام، اعلم أنك لن تكون فارساً مغواراً بالنهار حتى تتعلم الرهبانية بالليل.
أخبرت عن شاب نحيل الجسم، كثير الحياء، قليل الكلام، همه الإسلام والعمل للدين، لم يتجاوز السابعة والعشرين لكنه ذو رأي وقول سديد موفق -والتوفيق بيد الله- يقول أحد الشباب: رافقته مراراً في رحلات دعوية كم أصابنا فيها من التعب والإرهاق والمشقة والعناء, ومع هذا رأيت منه العجب العجاب؛ كان صاحب قيام ليل، وليس بأي قيام، بل قيام طويل تتعب منه الأقدام.
أحبتي! كثير هم الذين يقومون لكن أين قيام من قيام، من وقف دقيقة ليس كمن وقف ساعة، يقول الشاب عن صاحب ذلك الجسم النحيل: كان يقوم في الليلة الواحدة بخمسة أجزاء من القرآن، وما تخلف عن ذلك ليلة واحدة مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال.
قلت: هكذا هم الصادقون: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات:١٧]، هكذا هم الصادقون، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٦ - ١٧]، إن أمة تمتلك أمثال هؤلاء الفتيات والفتيان أمة لا تقهر ولا تغلب بإذن الله، ولكنها تمتحن وتبتلى حتى يأتي أمر الله، وحينها يفرح المؤمنون، وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.