في المقابل حتى يرغب الله عباده وتشتاق قلوبهم إلى جنات الله، وإلى النعيم الدائم المقيم، صور الله الجنة وما فيها من النعيم، وما فيها من لطيف الأخبار والإنعام والإحسان الذي ينزله رب العزة والجلال على عباده في دار كرامته.
فلها ثمانية أبواب، وليأتين عليها يوم وهي كضيض من الزحام، وما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، وأول من يُفتح له حبيبنا صلى الله عليه وسلم عندما يقرع فيقال له: لك أمرنا أن نفتح، فتدخل هذه الأمة لكرامتها على الله تبارك وتعالى.
يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [فأول ما يدخل أهل الجنة الجنة إذا بشجرة قد نبع من أصلها عينان كأنهم أمروا أن يشربوا من العين الأولى فيذهب الله ما في بطونهم من أذى وبأس وقذى، ثم يشربون من العين الثانية فتظهر على وجوههم نظرة النعيم، ثم يستقبلهم الولدان المخلدون فيقولون لهم: أبشروا بما يسركم، ويكون هذا عندما يساق {الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا}[الزمر:٧٣].
فيذهب الولدان المخلدون إلى أزواجهم من الحور العين يبشرونهن ويقولون لهن: أتى فلان ويناودنه باسمه الذي كان ينادى به في الدنيا، فتطير الحسناء فرحاً وطرباً؛ لقدوم الحبيب، فتنتظره على عتبة الباب، حتى إذا أقبل ولي الله على قصره إذا هو قائم أساسه على لؤلؤ ينظر إلى أعلاه، فلولا أن الله كتب ألا يذهب بصره لذهب، ألوان صفر، وحمر، وخضر، فيقول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:٤٣]، فيطأطئ الرأس فإذا بأزواجه من الحور العين، {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}[الغاشية:١٤ - ١٦]، فيجلس على أريكته ما شاء الله أن يمكث فإذا بنور يسطع في الجنة فيظن أهل الجنة أن الله قد تجلى لهم، فإذا الحورية تناديه وتقول: ولي الله! أما لنا فيك نصيب؟ فيقول لها: من أنت يا أمة الله؟ فتقول: أنا من الذين قال الله فيهم: ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:٣٥]، فينتقل إليها فإذا فيها من الحسن والجمال ما ليس في الأولى فيمكث عندها ما شاء الله له أن يمكث فإذا بنور قد سطع فيظن أن الله قد تجلى لهم، فإذا بحورية تناديه فيقول لها: من أنت يا أمة الله؟ فتقول: أنا من الذين قال الله فيهم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:١٧]، فينادونه أزواجه إنك لا تُمل ولا تُمل ووالله! ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلينا منك.