للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحساب]

يبدأ الحساب بعد ذلك، فتخيل الموقف إذا قيل: فلان بن فلان استعد للعرض! فلو ينادى عليك بين يدي ملك من ملوك الدنيا لارتعدت فرائصك، ولو أمرت أن تقف بين يدي مسئول لارتعدت فرائصك، فكيف وأنت ستقف بين يدي من الأرض في قبضته، والسماوات مطويات بيمينه، {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:١٠٤].

وستقودك الملائكة من بين الصفوف والبشر كلهم ينظرون إليك، وأنت لا تدري ماذا يفعل بك، ولا تدري إلى أين المصير! فأما الذين قدروا الله حق قدره فاسمع كيف يكون حسابهم، قال ابن عمر: يدني الله العبد منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه -يعني ستره- ثم يقرره بذنوبه: تذكر يوم صنعت كذا وكذا، حتى إذا ظن العبد أنه هلك قال الله أرحم الراحمين: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أسترها عليك اليوم، فيؤتى كتابه بيمينه، فيخرج بين الملأ ضاحكاً مسروراً ينادي بأعلى صوته {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة:١٩ - ٢٢].

وأما حال الذين لم يقدروا الله حق قدره: فإذا وقف بين يدي ربه وقرره الله بذنوبه قال له الله: عبدي! أما استحيت أن تعصيني؟! أتختفي عن جميع الناس وتنساني؟! فينادي الله جل في علاه لزبانيته وملائكته: يا ملائكتي! خذوه، ومن عذابي أذيقوه، فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه معي، فيعطي كتابه بشماله، فيخرج بين الملأ حسيراً كسيراً مطاطئ الرأس، يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٥ - ٢٩].

فينادي الجبار ملائكته: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:٣٠ - ٣٧].