اعلم -بارك الله فيك- أن الصدق امتحان وابتلاء، ولكن عواقب الصدق دائماً حميدة، والكذب -والعياذ بالله- وبال وشر على صاحبه، وعواقبه دائماً وخيمة، وحبل الكذب قصير مهما طال، والبضاعة النادرة إذا قلت في الأسواق غلا ثمنها، وزاد طلب الناس عليها، والبضاعة التي نحتاجها اليوم بضاعة الصدق.
قال ابن القيم رحمه الله: من منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] منزلة الصادقين، المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، المنزلة التي فرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان، الصدق الذي صرع الباطل وطرحه، من صال به لم ترد صولته، ومن جال به لم ترد جولته، وهو باب الدخول على الرحمن، قال الله:{هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}[المائدة:١١٩]، وقال:{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ}[الأحزاب:٨]، مرتبة الصادقين أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء، قال الله:{فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:٦٩].
الصدق من مراتب الأنبياء كما قال الله عن أنبيائه:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم:٤١]، وقال عن إسماعيل:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}[مريم:٥٤]، وقال عن يوسف:{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}[يوسف:٤٦].