عندما حانت ساعة الرحيل انطلقت إلى البوابة التي ينادى عليها ففوجئت أن السكارى معي على نفس الطائرة، فقلت: لم أتخلص منكم هناك وستظلون معي تسع ساعات الآن؟! فركبوا معي وكانوا في الكراسي التي أمامي تماماً لكنهم لم يتكلموا بكلمة طوال الرحلة، ماذا كانوا يصنعون؟ إنهم كانوا يتبادلون كئوس الخمر لتسع ساعات حتى أهلكهم الخمر، فناموا باقي الرحلة، فأقلعنا في الساعة الثانية ليلاً، أي: أنه بعد ساعتين أو ثلاث سيكون وقت صلاة الفجر، وعلى متن الطائرة أكثر من ثلاثمائة راكب ما بين رجل وامرأة وأكثرهم نساء، فنظرت في واقع هؤلاء النساء: ما الذي دفعهن للسفر آلاف الأميال؟ لقد تركن بيوتهن وتركن أهليهن وتركن كل شيء بحثاً عن لقمة العيش، مع العلم أن اندونيسيا ليست بالبلد الفقير، فهي أكبر دولة مسلمة من حيث تعداد السكان، وتعدادها أكثر من مائتين وعشرين إلى مائتين وثلاثين مليوناً، وهي رابع أكبر دولة في العالم، فجزرها وأراضيها تمتد ما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهندي، وحتى تقطع اندونيسيا من أولها إلى آخرها تحتاج أن تركب الطائرة لمدة خمس ساعات، إنها جزر مترامية الأطراف، غنية بالنفط والمعادن والمياه والزراعة والقوة البشرية وبكل شيء، والعجيب أن شعبها من أفقر شعوب العالم! سأذكر لك السبب حين نصل إلى تلك الديار.
فوفقني الله إلى رجل اندونيسي فيه من الخير الشيء الكثير، فبدأنا نتكلم أنا وإياه على مدى الرحلة عن أحوال المسلمين هنا وهناك، وأعجبني -رغم أنه لا يتكلم العربية بطلاقة- استشهاده بآيات القرآن، فقد كان يستشهد بآيات القرآن ويضعها في مكانها الصحيح، فحانت صلاة الفجر، فقلت له: نصلي ثم لابد -إبراءً للذمة- أن نخبر أهل الطائرة أنه قد حان وقت صلاة الفجر، فبدأ هو يطوف على من أمامنا وأنا أطوف على من خلفنا: أنه قد حانت صلاة الفجر، وركاب الطائرة تجاوزوا الثلاثمائة، فوالله! ما صلى إلا خمسة، سبحان الله! نحن بين السماء والأرض، وأنت بحاجة إلى أن تستشعر أنك في حاجة إلى الله في مثل هذا الظرف، وأسألكم بالله لو حدث خلل فني بسيط في الطائرة من الذي سيجيرنا من عذاب الله؟ ومن الذي سيدفع عنا عذابه؟ ومن الذي سندعوه في تلك اللحظات؟ ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا لما وصلنا إلى الشاطئ عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعةٍ وما سقطنا لأن الحافظ الله