[التفكر في العواقب فيه النجاة]
أحبتي! من تفكر في العواقب أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر.
تمضي السنون وتنقضي الأيام والناس تلهو والأنام نيام والناس تسعى للحياة بغفلة لم يذكروا القرآن والإسلام والمال أصبح جمعه كتهجد وتمتع الشهوات صار قيام قد زين الشيطان كل رذيلة والناس تفعل ما تريد حرام يا نفسي! يكفي فالذنوب كثيرة إن الغرور يسبب الإجرام هل تعلم اليوم المحدد وقته الله يعلم وحده العلام ماذا تقول إذا حُملت جنازة ودفنت بالقبر الشديد ظلام هذا السؤال فهل علمت جوابه ماذا تجيب إذا نطقت كلام ماذا مصيرك إن روحك غرغرت جاء المفرط كي يقول ختام اليوم تفعل ما تشاء وتشتهي وغداً تموت وترفع الأقلام واعلم -بارك الله فيك- أنه لا يقطع الطريق إلا بالصبر والتسلية، وكما قيل: فإن تشكت فعللها المجرة من ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى حكي عن بشر الحافي أنه سار في طريق ومعه رجل، فعطش هذا الرجل، فقال له: نشرب من هذا البئر، فقال بشر: اصبر إلى البئر الأخرى، فلما وصلا إليها، قال له: اصبر إلى البئر الأخرى، فما زال يعلله ويصبره، ثم قال: هكذا تنقطع الدنيا.
وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
فدرب النفس على هذا الأصل وتلطف بها وعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت.
وكان بعض السلف يقول لنفسه: والله! ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك.
وقال أبو يزيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك.
أي: أكرهتها على العمل حتى استقامت على أوامر الله برضاها.
فمن هجر اللذات حصل على المنى ومن أكب على اللذات عض على اليد ففي قمع أهواء النفس اعتزازها وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد فالله الله في مراقبة الحق عز وجل، والله الله في الخلوات، البواطن، والله الله في الثبات، فإن عليكم من الله عين ناظرة، فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك، بل قل: سبحان الله! الذي وصف نفسه بقوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:٢١٨ - ٢٢٠].
فراقب العواقب تسلم، ولا تمل مع الهوى فتندم، فأين لذة المعاصي؟! وأين تعب الطاعات؟! لقد رحل كلٌ بما فيه، فياليت الذنوب إذا تخلت خلت.
إن كنت تعتقد أن الله سبحانه لا يراك فما أعظم كفرك! وإن كنت تعصيه مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك! وما أقل حياءك! فاقبل الموعظة واعمل بالنصيحة؛ لأنه من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، كما قال عز وجل: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:٤٩ - ٥١].
واعلم أنك ستقف بين يدي الله، فبأي لسان ستجيب، فأعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً، فماذا أعددت للنجاة من عظيم عقاب الله تبارك وتعالى وأليم عذابه؟! واعلم أنه لا يندفع العذاب وتستجلب الرحمات إلا بحسن التوحيد وخندق الطاعات.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك قول الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك اللهم لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء دينك، اللهم انصرهم في العراق، وفي الشيشان، وكشمير، والفلبين، وأفغانستان، وأيدهم في فلسطين وفي كل مكان.
اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً، صن أعراضهم، واحقن دمائهم، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين.
اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم الصليبيين وزلزلهم، ودمر اليهود الغاصبين وزلزلهم، واهزم المنافقين وأعداء الملة والدين، واشدد وطئتك عليهم، وأنزل عليهم بأسك ومقتك إله الحق، فإنهم لا يعجزونك يا قوي! يا عزيز! اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش والفتن ما ظهر منه وما بطن، ووفقنا لتوبة نصوح يا رب العالمين، وثبتا حتى الممات يا رب الأرض والسماوات.
اللهم اجعلنا ممن يخشونك في السر وفي العلن، وفي الخلوات يا رب العالمين!