في معركة من معارك الشام وقعت مجموعة من المسلمات في الأسر، من بينهن فارسنا الملثم خولة بنت الأزور، فقامت تخطب في النساء فقالت: يا بنات حمير! وبقية تبع! أترضين لأنفسكن علوج الروم، ويكون أولادكن عبيداً لأهل الروم؟ أين شجاعتكن وبراعتكن التي تتحدث بها عنكن أحياء العرب، وإني أراكن بمعزل عن ذلك، وإني أرى القتل عليكن أهون من هذه الأغلال.
فأجابتها إحدى تلميذات المدرسة النبوية عفراء بنت عصام الحميرية: صدقت والله يا بنت الأزور! ونحن والله في الشجاعة كما ذكرت، وفي البراعة كما وصفتِ، وصاحت: غير أن السيف يحسن فعله في مثل هذا الوقت، وإنما داهمنا العدو على حين غفلة، وما نحن إلا كالغنم بدون سلاح.
فقالت خولة: يا بنات التبابعة! أترضين أن تحملن في بطونكن أبناء هؤلاء العلوج؟ كم تشتكي نساء العراق! وهن يقللن بطوناً ملأى بأبناء أحفاد الصليب، ولا حياة لمن تنادي.
فقالت عفراء بنت عصام: والله ما دعوت إلا إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرت، ثم تناولت كل واحدة عموداً من أعمدة الخيام، وصحن صيحة واحدة، وألقت خولة على عاتقها عموداً، وسعت من وراءها عفراء ومسلمة بنت زارع وروعة بنت عملون وسلمة بنت النعمان وغيرهن، فقالت لهن خولة: لا ينفك بعضكن عن بعض، وكن كالحلقة الدائرة، لا تفترقن فيقع بكن التشتيت، حطمن رماح القوم، واكسرن سيوفهم، وهجمت خولة، وهجمت معها النساء، وقاتلن قتالاً شديداً، حتى أدركهن مجموعة من المسلمين، جاءت في الوقت المناسب لتخليصهن، فكان الفرج من الله.