بينما أهل الجنة في مجالسهم ونعيمهم في طرب وسرور وحبور، إذ نادى المنادي عن نعيم أعظم من هذا النعيم، ولذة أعظم من هذه اللذة، إنها رؤية العزيز الحميد، إنها التمتع بالنظر إلى وجه العزيز الكريم، فينادي المنادي: يا أهل الجنة! إن ربكم تعالى يستزيركم فحيا على زيارته، فيقومون إلى الزيارة مسرعين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مبادرين، حتى إذا جاءوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك، ونصبت لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، وجلس أدناهم على كتان المسك -وحاشاهم أن يكون بينهم دنيء- حتى إذا استووا في مجالسهم نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ألم يبيض وجوهنا؟ ويثقل موازيننا؟ ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة؟ فبينما هم كذلك إذ سطع نور أجرست له الجنة، فإذا الجبار جل جلاله يتجلى لهم ويضحك لهم ويقول: سلام يا أهل الجنة! فلا ترد تلك التحية إلا بقولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام! فيتجلى لهم ويضحك لهم فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين كانوا يخشوني بالغيب ولم يروني؟ هذا يوم المزيد فسلوني، فيقولون: ربنا! إنا رضينا فارض عنا، فيقول: لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فسلوني، فيجتمعون على كلمة واحدة أن ربنا أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف الجبار الحجب فيغشاهم من النور لولا أنه كتب عليهم ألا يحترقوا لاحترقوا، فلا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا ويحاضره ربه محاضرة، ويناظره مناظرة فيقول: فلان أتذكر يوم كذا وكذا ويذكره ببعض غدراته في الدنيا؛ فيقول: ربي! ألم تغفر لي؟ فيقول: لو لم أغفر لك لما بلغت منزلتك هذه، فيا لذة الأنظار بتلك المناظرة! ويا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! يقول تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ}[عبس:٢٢ - ٣٩].
فحيا على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلّم