أخي أخية! من صام عن الطعام والشراب فصومه عادة، ومن صام عن الربا والحرام وأفطر على الحلال من الطعام فصومه عادة وعبادة، ومن صام عن الذنوب والعصيان وأفطر على طاعة الرحمن فإنه صائم رضا، ومن صام عن القبائح وأفطر على التوبة لعلام الغيوب فهو صائم تقى، ومن صام عن الغيبة والبهتان وأفطر على تلاوة القرآن فهو صائم رشيد، ومن صام عن المنكر وأفطر على الفكرة والاعتبار فهو صائم سعيد، ومن صام عن الرياء والانتقاص وأفطر على التواضع والإخلاص فهو صائم سالم، ومن صام عن خلاف النفس والهوى وأفطر على الشكر والرضا فهو صائم غانم، ومن صام عن قبيح أفعاله وأفطر على تقصير آماله فهو صائم مجاهد، ومن صام عن طول أمله وأفطر على تقريب أجله فهو صائم زاهد.
قال ابن القيم: الصوم لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار المقربين لرب العالمين، يكفيك قوله:(الصوم لي وأنا أجزي به).
يا قادماً للتقى في عينك الحب طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب صبرت عاماً أمني قرب عودتكم نفسي فهل يدنو لكم سرب قل هل طيفكم فاخضر عامرنا والله أكرمنا إذ جاءنا الخصب ففيكم يرتقي الأبرار منزلةً والخاملون كسالى زرعهم جدب قالوا في الصيام: الصوم: لذة الحرمان.
وقالوا: الصوم رجولة مستعلنة، وإرادة مستعلية.
وقالوا: رمضان شهر الحرية عما سوى الله، وفي الحرية تمام العبودية، وفي تحقيق العبودية تمام الحرية.
قالوا: رمضان شهر القوة، (فليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
قالوا: الصوم صبر وطاعة ونظام، أترون أمة من الأمم تتحلى بهذه الصفات ثم تجد سبيلها إلى الانهيار؟! صبر وطاعة ونظام، أترون جيشاً يتحلى بهذه الأخلاق القوية ثم يجد نفسه على عتبة الهزيمة؟! فلا تنسى وأنت تصوم رمضان أن الله يريد أن يجعلنا بالصيام مثال القوي الأمين.
فحذار حذار! أن ينسلخ عنك رمضان وأنت الضعيف الخائن.
أحبتي! لن يتسع المقام حتى نذكر حال الغرباء مع القيام ومع تلاوة القرآن، لن يتسع المقام لذكر أخبار الغرباء مع التضرع والدعاء والبذل والعطاء، ولن يتسع المقام لذكر بطولات الغرباء وصولاتهم وجولاتهم في ساحات الجهاد في رمضان، ولكن حسبنا ما سمعنا وذكرنا من أخبارهم، واللبيب بالإشارة يفهم.