[فريق في الجنة وفريق في السعير]
ينتهي ذلك اليوم وينقسم الناس إلى قسمين: فريق في الجنة وفريق في السعير، فمن الذي سيفوز؟ ومن الذي سيخسر؟ إنه فوز لا خسارة بعده، وإنها خسارة لا فوز بعدها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار، جيء بالموت على صورة كبش أقرن أملح بين الجنة والنار، فينادى: يا أهل الجنة! أتعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون: نعم، هذا الموت، فينادى: يا أهل النار! أتعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون فيقولون: نعم هذا الموت، فيأمر به فيذبح، ثم ينادى: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت).
فتأمل مقدار السعادة، وتأمل مقدار الحسرة والندامة في قلوب الخاسرين، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٣٩ - ٤٠].
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:٦٧ - ٧٠].
فينقسم الناس إلى قسمين: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:٧١ - ٧٢].
والفريق الآخر: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:٧٣ - ٧٤]، فكيف هو استعدادنا لذلك اليوم، يوم يجمع الله الأولين والآخرين؟ وكيف هو حال أولئك الذين قدروا الله حق قدره؟ وكيف هو حال أولئك الذين ما قدروا الله حق قدره؟ فاتقوا الله عباد الله! واستعدوا لذلك اليوم، قال الحسن البصري: إن أقواماً غرتهم الحياة الدنيا فخرجوا منها بلا حسنات، يقولون: إننا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
ولكنهم ما قدروا الله حق قدره، وسوف نعرف قيمة العمر وقيمة الحياة إذا فارقنا الأهل والأحباب، فنصيح بأعلى الصوت: رباه! ارجعون، فلا يستجاب لنا.
أما آن الأوان أن نقدر الله حق قدره، ونعلم أن الحياة مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي عند الله حقيرة، فاتقوا الله عباد الله! ومن تقوى الله الاستعداد لذلك اليوم العظيم، واقرءوا القرآن وتدبروا آياته، ففيه آيات لو تنزلت على الجبال لرأيتها خاشعة متصدعة من خشية الله.
والموفق من وفقه الله للاستعداد، ولو علم الله خيراً في الفريق الآخر لأسمعهم.
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، اذكروا الله يذكركم، انصروا الله ينصركم، وأوفوا بعهد الله يوفي بعهدكم، وحافظوا على أوامر الله يحفظكم في دينكم ودنياكم.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا -يا ربنا- من الراشدين.
اللهم استر في ذلك اليوم عوراتنا، وأمن فيه روعاتنا، وثقل فيه موازيننا، وبيض فيه وجوهنا، وزحزحنا فيه عن النار، وأدخلنا الجنة يا عزيز يا غفار! اللهم اجمع شمل المسلمين، ووحد صفهم، وأعل شأنهم، وأصلح ولاة أمورهم، وانصرهم -يا قوي يا عزيز- على القوم الكافرين.
وأستغفر الله العظيم، وصلى الله على نبينا محمد.