قوله:(واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل)، فيا الله ما أجمل تلك الساعات! وما أجمل تلك اللحظات عندما يخلو أولئك الصادقون مع رب الأرض والسموات في مدرسة الصدق والإخلاص! وفي مدرسة المجاهدة والتربية في ظلام الليل حيث لا يراهم إلا الله تبارك وتعالى، وقد أثنى عليهم ربهم حين تركوا الفرش والنساء واللذات من أجل الوقوف بين يدي حبيبهم تبارك وتعالى، فقال عنهم:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[السجدة:١٦]، فلما أخفوا عبادتهم وقيامهم عن الناس أخفى الله ما أعد لهم من عظيم الأجر حين يلقونه تبارك وتعالى، {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}[السجدة:١٧ - ١٨]، أفمن صلى وقام كمن رقد ونام؟ أبداً لا يستوون.
(واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل)، وتأمل بارك الله فيك الفرق بين الشرف في الحديث وبين الشرف اليوم، فاليوم انقلبت الموازين، وسميت الأشياء بغير أسمائها، فأصبحنا نسمع عن غناء شريف، وعن رقص شريف، وعن فن شريف، وعن فواحش شريفة، فغيروا الأسماء، وغيروا المسميات، فيا الله! فهذه أشراط الساعة قد ظهرت فينا كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن من ورائكم أياماً خداعات: يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وتتكلم فيها الرويبظة، وتسمى الأشياء بغير مسمياتها)، بل إنّ كثيراً من الناس يرى أن الشرف في الحسب والنسب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه)، والله يقول:{فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:١٠١]، ويقول:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣]، اللهم! اجعلنا منهم ومعهم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.