[أهم صفات العباد]
الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله حق تقاته، {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:٢٨١].
عباد الله! من أهم صفات العابدين: أنهم أهل صلاة وقيام ومحافظة على الفرائض، وتقرب لله بالنوافل، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
فلما سمع القوم منادي المحب يناديهم، انطلقوا سباقاً إليه، وعلموا أن أفضل القربات هي الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، كيف لا وهي عماد الدين وعصام اليقين، ورأس القربات، هي المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي يزود القلوب، إنها العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة، وتيسر الأمر، وتبارك في الأرزاق، بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وختمت بالصلاة؛ لعظيم مكانها في بناء الإيمان، وهي أكمل صورة من صور العباد، أما قال الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢]، ثم ختم صفاتهم بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:٩]، فأين نحن من صلواتنا؟ كم بلغت من العمر اليوم؟ بلغت الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين أو دون ذلك، تعال لنرى مقدار الربح والخسارة، لن أسألك عن الستين ولا عن السبعين ولا عن العشرين والثلاثين، سأسألك عن العام الذي مضى، فمنذ بداية العام حتى يومنا هذا: كم مرة فاتتك صلاة الجماعة؟ اجرد الحسابات مرة أو مرتين أو ثلاثاً، كم مرة ناداك مناد الله: الصلاة خير من النوم؟ وواقع الحال يقول: النوم خير من الصلاة، مرة أو مرتين؟ نعرف أقواماً تفوتهم كل يوم وهم لا يتوبون ولا يتذكرون، {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٤ - ٦].
فأسألك بالله يا من تظن أنك من المحافظين والمداومين، كم مرة فاتتك تكبيرة الإحرام؟ مرة مرتين أو ثلاثاً؟ يقول وكيع إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام فاغسل يديك منه.
قلت: إلى الله المشتكى، كيف لو نظر في حالنا وفي صفوفنا، وفي مساجدنا؟! بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وختمت بالصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) حسنه الألباني.
وقال سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكار، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين) حسنه الألباني.
أما يكفيك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه)؟ هل استشعرنا هذا؟ اعلم أن للعبد بين يدي ربه موقفين: موقفاً في الدنيا، وموقفاً في الآخرة، أما الموقف الذي في الدنيا: فوقوفنا بين يديه سبحانه في الصلاة، أسألكم بالله: هل خشعنا؟ هل خضعنا؟ هل استحضرنا عظمة من نقف أمامه؟ صلاة بلا إيمان، وركوع بلا خضوع، وسجود بلا خشوع، كيف يظهر أثر الإيمان وأثر الصلوات؟! (إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه).
وأما الموقف الثاني: فيوم القيامة، فأول ما تسأل فيه عن هذه الصلاة، إن صلحت أفلحت العبد فزت، وإن ضاعت خبت وخسرت، لقد علم العباد قدر الصلاة، وأنها ميدان سباق، فانطلقوا يتسابقون ولسان حالهم: من فاته منك وقت حظه الندم ومن تكن همه تسمو به الهمم روى مسلم عن ابن مسعود قال: (لقد رأيتنا ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) يعني: مع شدة مرضه! لله درهم من مرضى، لا والله بل نحن والله المرضى، مرضى القلوب الغافلة القاسية البعيدة عن الله جل في علاه.