[صورة من حب الله ورسوله]
اسمعي وقولي: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:١١١].
لما أهديت معاذة العدوية إلى زوجها صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمام, ثم أدخله بيت مطيباً فيه العروس, فقام يصلي حتى أصبح, وقامت معاذة خلفه فلما أصبح عاتبه ابن أخيه على فعله فقال له: أدخلتني بيتاً أذكرتني به النار, ثم أدخلتني على تلك العروس فتذكرت الجنة, فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت! لله درهم كم علت بهم هممهم! وأي كلام يترجم أفعالهم؟ امرأة تحيي ليلة بنائها كلها، فما بال النسوة في زماننا؟! بل ما بال الرجال في هذا الزمان؟! أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائها كانت رحمها الله إذا جاء النهار قالت: هذا يومي الذي أموت فيه فما تنام حتى تمسي, فإذا جاء الليل قالت: هذه ليلتي التي أموت فيها, فلا تنام حتى تصبح.
اسمعي ما قاله ثابت البناني عن خبرها يوم أن بلغها نبأ استشهاد زوجها وابنها، إنها مصيبة عظيمة لكن على المؤمنات أبداً ما تكون، فأتت النساء يواسينها في مصابها فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحباً بكن, وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن من حيث أتيتن! الله أكبر ولله درها! أي صنف من النساء هذه التقية النقية؟! لا عجب فهي تلميذة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع يقول الحسن: لما مات زوجها شهيداً لم توسد فراشاً بعده، قالت لابنتها من الرضاعة: والله يا بنية! ما محبتي للبقاء في الدنيا للذيذ عيش, ولا لروح نسيم, وإنما أحب البقاء لأتقرب إلى ربي عز وجل بالوسائل، لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء في الجنة.
تقول عنها عفيرة العابدة: لما احتضرها الموت بكت ثم ضحكت, فقيل لها: مم البكاء ومم الضحك؟ قالت: أما البكاء الذي رأيتم فإني ذكرت مفارقة الصيام, والصلاة, والذكر, فكان البكاء لذلك, وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي فإني نظرت إلى أبي الصهباء قد أقبل في صحن الدار عليه حلتان خضراوان في نفر والله ما رأيت لهم في الدنيا شبهاً، فضحكت إليه وضحك إلي، ولا أراني أدرك بعد ذلك فرضاً معكم, قالت: فماتت قبل أن يدخل عليها وقت الصلاة التالية.
سبحان الله، بكت! لكن على ماذا بكت؟! بكت على فراق الصيام, والصلاة, والذكر, وأنت أيتها الغالية! على ماذا تبكين؟! ما هي همومك؟! وفيم أحزانك؟! على ماذا تلك الدمعات الغالية؟! من أجل من تذرفينها؟! قوم مضوا كانت الأيام بهم نزه والعيد كالعيد والأوقات أوقات ماتوا وعشنا فهم عاشوا بموتهم ونحن في صور الأحياء أموات