اسمعي بارك الله فيك! خرج رجل من الصالحين ومعه زوجته، وكانت صائمة قائمة ولية من أولياء الله -نحسبها والله حسيبها- خرجوا يريدون العمرة وهكذا الأسفار، إما سفر لطاعة وإما سفر لمعصية.
خرجوا شوقاً إلى الله، وشوقاً لبيت الله، واستجابة لأوامر الله.
والغريب: كأنه ألقي في روعها أنها تموت، وأنها لن ترجع فودعت أطفالها، وقبلتهم وهي تبكي، وكتبت وصيتها، وودعت أقاربها، وعندما وصلوا إلى مكة طافوا وسعوا وقصروا، ودعوا وتضرعوا وسألوا الله خير الدنيا والآخرة.
وفي طريق العودة كانت على موعد مع ملك الموت، فانفجر إطار السيارة، وخرجت السيارة عن مسارها، وانقلبت بهم مرات ومرات، وأصيبت المرأة في رأسها، وخرج زوجها من بين الحطام ولم يصب بأذى، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة).
فلما رأته قالت له بعد أن تبسمت في وجهه: عفا الله عنك، وبلغ أهلي السلام، وقل لهم: الملتقى الجنة، ثم فاضت روحها رحمها الله.
إن الكل سيموت، ولكن على أي حال؟ قدر الله ماض على الصغير والكبير، لكن على أي حال؟! الأعمال بالخواتيم والمرء يختم له على ما عاش عليه، والتقينا هنا وسنفترق، وكل منا ينتظر منيته، منا من سيموت في أرض، ومنا من سيموت في بحر، ومنا من سيموت في سماء، ولكن على أي حال؟! وأين سيكون الملتقى؟! فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى إلى أوطاننا نعود ونسلم وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم وأي اغتراب فوق غربتنا التي أضحت لها الأعداء فينا تحكم