[الحث على الصدق]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة! منذ فترة مضت مر بي هذا الموقف ولعله موقف يتكرر هنا وهناك: في ضحى أحد الأيام بينما أنا على طريق الدمام الساحلي متجهاً إلى مدينة الخبر، إذا برجل على جانب الطريق يشير إلي باستحياء، فاستحيت أنا وتوقفت، فقال: أنا ليلة البارحة أطلت السهر واستيقظت متأخراً فما وجدت من يوصلني إلى مكان وظيفتي، قلت: أين تعمل؟ قال: أنا أعمل في ميناء الدمام، قلت: الأمر هين وأنت على طريقي.
ركب الرجل، ثم دار بيني وبينه هذا الحديث: قال: ماذا سأقول لرئيسي الآن؟ كيف سأبرر له تأخري؟ قلت: الأمر هين، قل له كما قلت لي تماماً، أطلت السهر، واستيقظت متأخراً، ولم تجد أحداً يوصلك إلى مكان الوظيفة، قال: لن يقبل مني.
قلت: مصيبة! نتحدث بالصدق ونقول الحقيقة ثم لا يقبل منا! وهذا هو واقعنا اليوم، فنكذب ونلفق بالأيمان الكاذبة حتى نعد من الصادقين، وإن صدقنا وقلنا الحق لم يقبل منا، فماذا نفعل؟ أليست هذه من علامات آخر الزمان؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من ورائكم أياماً خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة) هذه أشراط الساعة ظهرت فينا والله المستعان {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:١٨ - ١٩].
قلت -والحديث لا زال بيني وبينه مستمراً-: أنت تريد رضا من؟ إن أنت تحدثت بالصدق فسترضي الله تبارك وتعالى، وإن أنت كذبت فستسخط الله تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ابتغى رضا الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس في سخط الله سخط الله عليه، وأسخط الناس عليه).
لسان حال الصادق: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب من الذي يملك الضر والنفع؟ أليس هو الله؟! أنت تبتغي رضا من؟ رضا الله أم رضا المخلوق؟! أحبتي! كثير اليوم من يجامل، ويتنازل عن دينه، ويتنازل عن مبادئه، ويتنازل عن قيمه في سبيل عرض من الدنيا قليل، لما تنزل قول الحق تبارك وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:٥٩] قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: (أتضيع أمتي الصلاة؟) أتضيع أمة محمد الصلاة! تعجب بأبي هو وأمي، هل يعقل أن أمة محمد تنام وتتخلف عن الصلوات؟ فقال جبريل عليه السلام: (يا محمد! يأتي أقوام من أمتك يبيعون دينهم كله بعرض من الدنيا قليل) نسأل الله أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا موقف يمر بي وبك في كثير من الأحيان، يمر بنا في متاجرنا في أماكن وظائفنا في شوارعنا في كل مكان، أصبح الكذب سمة بارزة في المجتمع، الجميع يكذب إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وقل أن نرى الصادقين.