[الرغبة والرهبة في الدعاء]
تأملي في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠]، لما ذكر الله تفريج هموم الأنبياء وإجابة الدعوات وقضاء الحاجات، ذكر عنهم هذه الآية العظيمة وبين حالهم أنهم: ((كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)).
والرغبة: هي ثمرة الرجاء.
والفرق بين الرجاء والرغبة: أن الرجاء طمع والرغبة طلب، فإن العبد إذا رجا الشيء طلبه، فالرجاء طمع يحتاج إلى تحقيق، والراغبة سريعة في فعل الخيرات، مجدة مجتهدة بلا وهن ولا كسل، مثال ذلك: الكل يرجوا ويطمع أن يدخل الجنة، لكن ما نيل المطالب بالتمني، هذا يرجو ولا يعمل فهو غير راغب، وهذا يرجو ويعمل فهو راغب، وكما قيل: الرغبة مفتاح الطلب.
والرهبة: هي الخوف والوجل والخشية، وكلها ألفاظ متقاربة، لكن الرهبة فيها معنى الإمعان في الهرب من المكروه، ولما كانت الرغبة هي العمل للحصول على ما يطمع به كانت الرهبة هي الهرب من المكروه الذي يخاف منه، قال سبحانه: ((وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ))، والخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل وجمع القلب بين يديه.
قال الجنيد: الخشوع: تذلل القلوب لعلام الغيوب، فالخشوع غاية الافتقار والتذلل لله تبارك وتعالى.
تأملي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الأبيات الجميلة وهو يقول: أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسيكين في مجموع حالاتي أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي والخير إن يأتي من عنده يأتي لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ولا عن النفس لي دفع المضرات والفقر لي وصف ذات لازم أبداً كما الغنى أبداً وصف له ذاتي وهذي الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آتي قال سهل: من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان.
وجماع الخشوع: التذلل للأمر والاستسلام لله تبارك وتعالى.
فلا بد أن تحضري القلب وأنت بين يدي الله، فالله لا يستجيب من القلب اللاهي.
قيل: إن الحجاج رأى رجلاً أعمى عند الكعبة يدعو ربه ويقول: اللهم رد لي بصري، فجاء الحجاج من اليوم الثاني، فوجده في نفس المكان يدعو بنفس الدعاء، فقال له الحجاج: إن لم يرد لك بصرك غداً فسأقطع رقبتك، فجاءه في اليوم الثالث مبصراً، فقيل للحجاج: لم فعلت هذا؟! قال: وجدته يدعو بقلب لاهي، لكن لما كانت القضية حاجة واضطرار توجه إلى الله قلباً وقالباً.
الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه بشرط {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦].
إن الدعاء هو السلاح الذي تملكينه، وهو السلاح الذي لا يرد، بشرط أن تحسني استعماله، فتدربي على استعماله، واختاري الأوقات المناسبة، تجردي من كل شيء، وقفي خاضعة ذليلة مخبتة إلى الله تبارك وتعالى، أظهري الحاجة والافتقار، وتأدبي بالأدب الذي علمه لنا نبي الهدى والرحمة صلوات ربي وسلامه عليه، فإن المفلسة هي التي لا تعرف كيف تستخدم سلاح الدعاء.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يجعل نساءنا مؤمنات تقيات نقيات خفيات.
اللهم استر عوراتهن وآمن روعاتهن واحفظهن من بين أيديهن ومن خلفهن وعن أيمانهن وشمائلهن.
اللهم من أرادهن بسوء فاجعل تدبيره تدميره، وكيده في نحره.
اللهم احفظهن من كل سوء ومكروه، ووفقهن لما تحب وترضى، واجعلهن هاديات مهديات برحمتك يا أرحم الراحمين.
هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.