[بمن تنتصر الأمة]
تنتصر الأمة بأولياء الله الصالحين، بالمخلصين والصادقين الذين رباهم القرآن، أولئك الذين تربوا في روضة القرآن، وفي ظل الأحاديث الصحاح.
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم جاءوا إلى الموت يستجدون رؤياه قال الحسن البصري رحمه الله: قراء القرآن ثلاثة أصناف: صنف اتخذوه بضاعة، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده، وصنف وضعوا القرآن على داء قلوبهم فاستشعروا الخوف فقاموا في محاريبهم.
بمثل هؤلاء تنتصر الأمة على أعدائها، وبمثل هؤلاء يستسقى الغيث من السماء.
قال: فوالله الذي لا إله إلا هو لهذا الصنف من حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر.
لما صف المسلمون يوم اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب ومن معه، حمل راية المهاجرين سالم مولى أبي حذيفة فقالوا له: إنا لنخشى أن نؤتى من قبلك، فقال: إن أتيتم من قبلي فبئس حامل القرآن أنا أكون! بات قتيبة بن مسلم ليلة لقائه مع الترك باكياً متضرعاً، فلما أصبح الصباح سأل: أين محمد بن الواسع؟ فبحثوا عنه فوجدوه يصلي ويدعو رافعاً أصبعه إلى السماء، فأخبروا قتيبة بن مسلم بذلك فقال: والله لأصبع محمد بن الواسع أحب إلي من ألف سيف شهير، وألف شاب طرير.
ولما حاصر عمرو بن العاص رضي الله عنه حصن بابليون بمصر طلب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يمده بمدد عدده أربعة آلاف مقاتل يستعين بهم على إتمام فتح مصر، فأرسل إليه عمر أربعة رجال وعلى رأسهم الزبير بن العوام، وكتب إليه: بعثت إليك بأربعة رجال وعلى رأسهم الزبير؛ كل رجل بألف رجل، ولقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (جيش فيه المقداد لا يهزم بإذن الله).
بمثل هؤلاء تنتصر الأمة، أولئك الذين إذا رؤوا ذكروا بالله عز وجل، أولئك الذين تنبعث من وجوههم أنوار الطاعة، أولئك الذين قال الله عنهم: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، أولئك الذين إذا قال المرء منهم: يا رب! قال الله: لبيك وسعديك، أولئك الذين تربوا في محاريب الظلام، أولئك الذين تدربوا على إطلاق السهام في صلاة القيام.
لما انتدب الله محمداً صلى الله عليه وسلم للدور الكبير الشاق الثقيل قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:١ - ٦].
وربى محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه في تلك المدرسة؛ مدرسة الليل، {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:٢٠].
في مدرسة الإخلاص تربى الرجال والنساء، إنها التربية على الصبر، والإخلاص، ومجاهدة النفس، وعلو الهمة.
قال قتادة رحمه الله: لا يقوم الليل منافق -وصدق والله- لا يقوم الليل إلا مؤمن صادق.
فإذا أردت الانضمام إلى ركب الصالحين فعليك بسهام الليل والدعاء.
إن كنت فقيراً تشتكي الفقر فعليك بسهام الليل والدعاء.
إن كنت مظلوماً تريد الانتصار فعليك بسهام الليل والدعاء.
إن كنت قد أثقلتك الذنوب والمعاصي فعليك بسهام الليل والدعاء.
إن كنت مريضاً تطلب الشفاء فعليك بسهام الليل والدعاء.
إن كنت عقيماً تريد الأطفال فعليك بسهام الليل والدعاء.
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، وملهاة عن الإثم، ومطردة لداء الجسد)، رواه الطبراني في الكبير.