[من أخبار أصحاب القلوب الحية]
إنَّ من أخبار أصحاب القلوب الحية، يقول سلمان الفارسي: ثلاثة أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] وضاحك ملء فيه لا يدري ربه راض عنه أو ساخط عليه.
وآخر يقول: ما نمت ليلة إلا ظننت أني لا أستيقظ بعدها.
والآخر كلما أراد الخروج من المسجد بكى بكاء شديداً، فإذا قيل له: ما الذي يبكيك؟ قال: أخاف أن لا أرجع إليه مرة ثانية.
كان حبيب الفارسي إذا أصبح قال لزوجته: إذا مت اليوم فابعثي إلى فلان يغسلني، وابعثي إنساناً يكفنني، واصنعي كذا، واصنعي كذا، فقيل لها: رؤيا رآها، قالت: لا، كل يوم يقول مثل هذا الكلام.
فهذه هي القلوب الحية.
أما عبد الله بن عامر فسمع منادياً ينادي لأذان المغرب وكان في مرض شديد، بل ربما كان ينتظر ساعة الاحتضار، فقال لأبنائه: خذوني إلى المسجد، قالوا: أنت ممن عذر الله، ليس على المريض حرج، قال: والله إني لأستحي أن أسمع النداء فلا أجيب! واليوم يمرون من جانب المساجد كأن الأمر لا يعنيهم، ويسمعون حي على الصلاة، حي على الفلاح فلا يجيب إلا قليل.
قال: خذوني إلى المسجد، فإني والله لأستحي أن أسمع النداء ولا أجيب، فاغتسل وتطيب وتعطر وذهب لأداء صلاة المغرب، فلما سجد السجدة الأولى لم يرفع رأسه بعدها، وما أحلاه من ختام، وما أحلاها من نهاية، قال تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:٣١ - ٣٢].
هذه أخبار أصحاب القلوب الحية، فإن لم تكن مثلهم فتشبه بهم، إن التشبه بالصالحين صلاح، وانتبه أن تطلب وقتاً مستقطعاً ووقتاً إضافياً فلا يستجاب لك، خذ بالعلاج إذا أردت الشفاء.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، ودخل أهل النار النار جيء بالموت على هيئة كبش أقرن أملح بين الجنة والنار، ثم ينادى بأهل الجنة: يا أهل الجنة! تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم نعرفه، هذا الموت، ثم ينادى بأهل النار: يا أهل النار! تعرفون هذا؟ فيشرئبون فينظرون ويقولون: نعم نعرفه، هذا الموت، فيؤمر بالموت بين الجنة والنار فيذبح، ثم ينادى بأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود فلا موت، وينادى بأهل النار: يا أهل النار خلود فلا موت).
فيقال لأصحاب القلوب الحية: إن لكم ألا تجوعوا فيها أبداً، إن لكم أن تصحوا فيها فلا تمرضوا أبداً، وأن تحيوا فيها فلا تموتوا أبداً، وأن تقيموا فيها فلا تظعنوا أبداً، وأن تشبوا فيها فلا تهرموا أبداً.
ويقال لأهل الغفلة وأهل النار: خلود فلا موت: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:١٢])، فهم يتمنون العودة، ولكن هيهات هيهات! ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٣٩ - ٤٠].
فاتقِ الله عبد الله! وانفض غبار الغفلة، واستعد للرحيل، فإنك قد تمسي ولا تدرك الصباح، وقد تصبح ولا تدرك المساء، والشاب يغتر بشبابه، وإنك تجد أنَّ أكثر من يموت هم الشباب، والشيخ الكبير يغتر بصحته، والمرض يأتي فجأة، وإذا جاء المرض فقد اقترب الموت.
يا عجباً للناس لو فكروا أو حاسبوا أنفسهم أبصروا وعبروا الدنيا إلى غيرها إنما الدنيا لهم معبر لا فخر إلا فخر أهل التقى غداً إذا ضمهم المحشر ليعلمن الناس أن التقى والبر كان خير ما يدخر اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين.
اللهم اجمع شملنا، ووحد صفنا، وردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين.
اللهم انصر المستضعفين في كل مكان، في فلسطين والشيشان وفي كشمير والفلبين، وفي العراق وأفغانستان.
اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً.
اللهم انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم.
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.