[كيفية التعامل مع هذه العقوبات]
فهذه الظواهر من زلازل وبراكين وعواصف هي من جند الله التي سخرها الله عقاباً للمذنبين، وابتلاءً للصالحين، وعبرة للناجين, وإن لم ننظر لهذه الحوادث بهذا المنظار فلن نستفيد من حدوثها ووقوعها, فالله تعالى حكيم فيما يقضيه ويقدره, فهو سبحانه يسخر ما يشاء من الآيات تخويفاً لعباده وتذكيراً لهم كما قال هو: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} [الإسراء:٥٩].
عباد الله! لقد مر على العالم منذ أيام حدث عظيم سمع به القاصي والداني, ألا وهو: الزلازل العظيم الذي أصاب عدداً من البلاد المسلمة والكافرة، وهاج البحر بسببه فانطلقت أمواجه تحصد الأرواح والممتلكات, ففي أقل من دقيقة كان عشرات الآلاف من القتلى، ومثلهم من المفقودين, وملايين المشردين, ومليارات الخسائر المادية, وما زالت الإحصاءات مستمرة ليعلم الناس أن بطش الله شديد, وأنه جل جلاله فعال لما يريد، {ومَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:١١٧].
سبحانك يا الله ما أعظمك! سبحانك يا الله ما أحلمك! سبحانك يا الله ما أعدلك! {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:٤٤]، لقد كان جزء كبير من المناطق المنكوبة منتزهات سياحية يأوي إليها الفساق من السياح من كل مكان, فيتعرون ويرقصون ويغنون ويسكرون ويعربدون, زنا ولواط, وفواحش ومنكرات, فلما رأى البحر محارم الله تنتهك، وأوامره تضيع غار البحر على محارم الله, فثار ومار واستأذن من الجبار.
جاء في مسند أحمد فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات على الأرض يستأذن الله في أن ينفضح عليهم - أي: على العصاة - فيكفه الله عز وجل).
فلا إله إلا الله البحر يتمعر ويتمنى إغراق العصاة, ويستطيع ولكنه مأمور, ولقد أنذرهم الله فتماروا بالنذر، وقد أعذر من أنذر.
ففي العام الماضي أو الذي قبله حدث تفجير في أحد المنتزهات السياحية المليئة بالسكر والعربدة، وقتل في هذا الانفجار خلق كثير، فكان هذا بمثابة الإنذار المبكر لهؤلاء القوم لو كانوا يعقلون، ولسنا نقر التفجيرات ولكن أليست هي عقوبة من الجبار جل جلاله, وبدلاً من أن يراجع هؤلاء القوم حساباتهم مع الله, عادوا إلى ما كانوا عليه، وزاد طغيانهم وتسلطوا على عباد الله الصالحين وأوليائه المؤمنين, فاتهموهم بما هم منه براء، وسجنوهم وعادوهم، وما زال كثير منهم حتى الآّن رهن الاعتقال رغم عدم ثبوت إدانته.
وعادت تلك المنتزهات إلى ما كانت عليه من الفجور والعربدة, وصدق الله: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} [الإسراء:٦٠].
فغار الجبار الله في سمائه, فأوحى لأرضه أن تزلزلي، وأوحى لبحاره أن هيجي وأغرقي, فما كان للأرض أن تعصيه, وما كان للبحار إلا أن تستجيب لأوامره، فما الذي حدث؟ اسمع رعاك الله! وافتح القلب قبل أن تفتح الأذنين, في دقائق معدودة أقاليم بأكملها زالت, وقرى بكل ما فيها انمحت, وأمم من البشر بادت وماتت، بعض الجزر غطاها الموج العاتي، فأفنى بنيانها وأهلك حرثها ونسلها وقطع أشجارها, فلم تستطع المباني الشاهقة، ولا الأشجار العالية، أن تقف أمام الموجات العالية التي وصلت قوتها وسرعتها إلا مئات الكيلومترات.
فلا إله إلا الله فلا ترى إلا مباني سويت بالأرض, وسيارات ومراكب اصطدمت ببعضها البعض, فهذا فعل الأمواج العاتية بالمباني والأشجار والممتلكات, فما ظنك بفعلها بالبشر الضعفاء؟! يا الله! عشرات الآلاف من الجثث الهامدة، وبقايا أجساد متعفنة، منها ما هو طريح الرمال، ومنها ما هو معلق بالأشجار, ومنها ما هو مدفون تحت البنايات المتهدمة, وليس من شيء يعبر عن وصف تلك الحال مثل قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:٢٤].
عباد الله! لقد كانت تلك الشواطئ، وتلك الديار من أجمل بقاع الأرض بما حباها الله من جبال وغابات وبحار وأشجار, وبدلاً من أن يأتي الناس إليها متفكرين لعظيم جمال خلق الله أتوها من كل مكان وجعلوها أماكن للعهر والفساد والفجور {فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [الزمر:٢٥]، أما قال الله: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم * أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَو تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [يوسف:١٠٥ - ١٠٧].