ومن أسماء الله الحسنى: الغفور والغفار جل ثناؤه، وهما من أسماء المبالغة، ومعناهما: الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم، فلا يسترها فقط، بل ويتجاوز عنها، والغفران والمغفرة من الله تعالى تكون: بأن يصون الله العبد من أن يمسه العذاب إذا غفر له، فلا عذاب عليه.
قال الغزالي: الغفار هو: الذي أظهر الجميل وستر القبيح، ومن منا ليس عنده قبيح من الأفعال؟ فالله يعلم بهذا ويعلم بذاك، فمن مغفرته أنه يظهر الجميل ويستر القبيح.
قال الخطابي: الغفار هو: الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى، كلما تكررت التوبة من الذنب تكررت المغفرة.
قال ابن منظور: أصل الغفر: التغطية والستر، فقولهم: غفر الله له أي: ستر له ذنوبه.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يدني الله العبد منه حتى يضع عليه كنفه -أي: ستره-، فيقرره بذنوبه، فيقول: تذكر يوم كذا، تذكر يوم كذا، حتى إذا ظن العبد أنه هلك، قال أرحم الراحمين: فإني قد سترتها لك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم)، فيخرج العبد بين الملأ وقد أعطي كتابه بيمينه وهو رافع رأسه {يَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠] فما أحلم الله! وما أرحم الله جل في علاه! قال أهل العلم: ومن أسماء الله الحسنى: غافر الذنب، وعن أبي هريرة مرفوعاً:(إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) وليس المعنى: أنها فقط هي أسماء الله الحسنى ولا يوجد غيرها، بدليل حديث:(اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيِّ حكمك، عدل فيِّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) إذاً: فلله أكثر من تسعة وتسعين اسماً.
وليس معنى أحصاها: أي عدها، فمن السهل على أحدنا أن يسردها سرداً، لكن أين أثرها؟ أين أثر السميع؟ أين أثر البصير؟ أين أثر القادر؟ أين أثر المحيي؟ أين أثر المميت؟ أين أثر الضار النافع؟ فالمطلوب عند إحصائها: أننا نعرف ونستشعر أثرها، بصير يعني: أنه في كل مكان يراني، السميع أي أنه: يسمع سري وعلانيتي، الخبير أي أنه: لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، الحكيم أي أنه: لا يضع الأمور إلا في نصابها، العزيز أي أنه: لا يغلب جانبه ولا يقهر، والعزة مستمدة منه ومن كتابه ومن دينه، فلابد أن نستشعر معاني الأسماء والصفات، وإلا ماذا يعني أن نقول: سميع ثم نتكلم بغيبة ونميمة.
فقد جاء في خبر المجادلة التي جاءت تشتكي إلى رسول الله قول عائشة: والله! الذي لا إله إلا هو ما بيني وبينها إلا ستار، ووالله! ما سمعت شيئاً من كلامها، وفي لحظات يأتي وحي رب الأرض والسماوات من فوق السماء السابعة، وما بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة سنة ويقول:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}[المجادلة:١]، رفع الله عنها الظلم والعدوان، تقول عائشة: (تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، والله! ما بيني وبينها إلا ستار، ثم تأمل في قوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨].