[علامات تسبق ظهور المهدي]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وكثير نعمه، وعفوه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه أجمعين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم بمنك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين! أما بعد: عباد الله! فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، ومن تقواه الاستعداد للقائه بالإيمان بآياته، واتباع كتابه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا عن الساعة، وعن علاماتها وأماراتها وأشراطها، ومنها خروج المهدي، وخروجه تسبقه أشراط وعلامات تبين قرب ظهوره.
ولقد وردت آثار وتواردت أخبار عن علامات تسبق ظهور المهدي منها حرب وهرب وإدبار وفتن شداد، وكرب وبوار، وظلم وجور واعتداءات، فيظهر إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً، وقد أوشكت.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكنو السماء وساكنو الأرض، لا تدع الأرض من قطرها شيئاً إلا صبته مدراراً، ولا تدع الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء الأموات لما يرون من الأمن والسعادة والبركة وعز الإسلام، يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان).
وهو يظهر -بارك الله فيك- عند تجبر الملوك والطغاة.
وعن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ويح هذه الأمة من ملوك الجبابرة! كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم؟!) فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه، ويفر منهم بدينه، فإذا أراد الله أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار عنيد، وهو القاهر على أن يصلح أمة بعد فسادها.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (يا حذيفة! لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي) تجري الملاحم على يديه، ويظهر الإسلام، ولا يخلف الله وعده، والله سريع الحساب.
ومن العلامات التي تسبق ظهور المهدي: استحلال البيت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله).
ومن العلامات أيضاً: أن يكون المسجد النبوي كالقصر الأبيض، قال صلى الله عليه وسلم: (يوم الخلاص وما يوم الخلاص، قالوا: يا رسول الله! وما يوم الخلاص؟ قال: يجيء الدجال فيصعد على أحد فيطلع إلى المدينة ويقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد).
فما رأيكم! كيف هو المسجد النبوي اليوم؟ سأترك الجواب لكم.
ويسبق ظهوره أيضاً: انتشار الربا حتى يصبح أمراً معتاداً، فقد روى أبو داود وابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكله أصابه غباره).
عباد الله! إن انتشار الربا في العالم اليوم لأمر جلي لا يخفى على أحد، ولا ينكره إلا غبي، فأعمال البنوك والمصارف كلها تقوم على النظام الربوي اليهودي، وحتى الذين ينكرونها ويستنكرونها يضطرون للتعامل معها ولو بمس الغبار كما أخبر الصادق المصدوق، ومع أن الله يلعن ويحارب المرابي إلا أن العالم يغرق في الربا ويعلن الحرب على الله دون حياء؛ ولهذا فالعالم يئن من الشقاء والحروب والويلات والتعاسة، وصدق الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا سبعون باباً أدناها كوقع الرجل على أمه)، وفي رواية: (كالذي ينكح أمه)، ومع هذا الوعيد فلا زالت الأمة تغرق في الربا بلا حياء! ومن علامات ظهوره أيضاً: ضياع الأمانة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فقال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: يا رسول الله! وكيف إضاعتها؟ قال صلى الله عليه وسلم: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
فهذه أشراط الساعة وعلاماتها قد ظهرت فينا والله المستعان! قال الله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:١٨ - ١٩].
عباد الله! إن المهدي سيخرج ولكن متى؟ الله أعلم، وليس المطلوب من الأمة أن تركن وتقعد عن العمل، وتتكاسل أملاً في ظهوره يوم كذا من شهر كذا من عام كذا، ولكن عليها أن تعمل وأن توطئ الأمر لظهوره وخروجه، ونعد لذلك أنفسنا، ونعد له رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهؤلاء هم الغرباء الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، ووالله! إن العالم اليوم ليئن ويشتكي من الظلم والجور، ونداءات المظلومين تنادي: يا أيها الإنسان هل تبكي لما أبكاني أرأيت ماذا قد حصل في العالم الحيران اليأس يعصف بالأمل ويهز كل كياني ألا فليستيقن المستضعفون بأن الله سينصر دينه برجل من هذه الأمة، وليستبشروا فإن الفرج قريب، قال الله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٥٠].
ألا فليعلم أعداء الله أن الله سيتم نوره ولو كره المشركون، قال سبحانه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٨] ويقول: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١].
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الموحدين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل عبادك الموحدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين! اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك، اللهم انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وصن أعراضهم، واحقن دماءهم، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين! اللهم من أرادنا وبلادنا بسوء وبلاد المسلمين فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين! اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا! من الراشدين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال جل من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم ارض عن صحابته أجمعين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا معهم بمنك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير، واعف عنا الكثير، وتقبل منا اليسير، إنك يا مولانا! نعم المولى ونعم النصير.
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].