للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خالد يصنعه الإسلام]

تعالوا معاشر الأحبة! نقف وقفات، ونسطر سطوراً وآيات عن قصة رجل، إذا ذكر في المعارك فهو رجلها الأول، وإذا ذكر في التضحيات فهو أول المضحين، وإذا ذكر البذل والعطاء فهو سيد المواقف كلها.

إن كل مسلم في أدنى الأرض وأقصاها لا يخفى عليه هذا البطل، فلقد ارتبطت انتصارات الأمة ماضياً بهذا الاسم العظيم، إنه خالد وما أدراك ما خالد، مضى خالد ولكن اسمه بقي خالداً في حياة المسلمين، إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، من خالد قبل الإسلام؟ لا شيء يذكر، فالذي صنع خالداًً هو الإسلام، والإسلام الذي صنع خالداً قادر على أن يصنع أمثاله، فالإسلام الذي أخرج مثل خالد قادر على أن يخرج أمثال خالد.

ملكنا هذه الدنيا قروناً وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان وما نسينا بنينا حقبة في الأرض ملكاً يدعمه شباب طامحونا شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتاً كريماً طاب في الدنيا غصونا إذا شهدوا الوغى كانوا حماة يدكون المعاقل والحصونا شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا ولم تشهدهم الأقداح يوماً وقد ملئوا نواديهم مجونا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلى طابت لحونا فعلى أمثال أكتاف هؤلاء الشباب تنهض الأمة من الحال الذي تعيشه في هذه الأيام، حتى يتربى الأبطال فلابد أن يقرءوا سير الأبطال، حتى يتأثر الرجال، وأي سيرة أعظم من سيرة هذا البطل الذي صنعه الإسلام، إنه خالد؟ وما أدراك ما خالد، خالد الذي صال وجال ضد الإسلام يوماً، توقف مع نفسه وفكر، وقال في نفسه: والله لقد ظهر الحق واستقام النسب، وإن هذا الرجل لرسول.

لقد رأى أطناب الإسلام بدأت تضرب بقوة في شرق الجزيرة وفي غربها، وهكذا الحق يبدأ ضعيفاً، ثم يقوى شيئاً فشيئاً حتى يهلك الباطل.

سبحان الله! فكر خالد ونعمة العقل نعمة عظيمة يملكها الكثير، ولا يستعملها إلا القليل، فلو أن كل إنسان صالح أو طالح فكر في مصيره ومآله؛ لازداد الصالح في صلاحه، ولكان الطالح على غير الحال التي هو عليها.

ففكر خالد ودبر وقدر؛ فتبين له أن الحق واضح، فقال في نفسه: أما من رجل يصاحبني إلى المدينة حتى أظهر إسلامي، فالتقى رجلاً آخر فذاً من الأفذاذ، وبطلاً من الأبطال، إنه عثمان بن طلحة، فأخبره خالد بالخبر الذي يريده، فقال: وأنا معك يا خالد، فخرجا سوياً حتى إذا استويا خارج وادي مكة إذا بثالث من دواهي العرب يسير في طريقه أيضاً، فإذا هو داهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فقال لهما: إلى أين تذهبا؟ فبينا له الوجهة التي سينطلقا إليها، فقال: والله! هذا ما أردت.