[الفلاح والنجاح في الآخرة]
من ثمار العمل الصالح أخية! أنه سبب للفلاح والنجاح، وهو أعظم سبب لدخول الجنة بعد توحيد الله جل وعلا، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:١٠٧ - ١٠٨]، وقال سبحانه: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢].
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد ولقد عرضت بأبخس الأثمان يا سلعة الرحمن لولا أنها حجبت بكل مكاره الإنسان لما كان عنها قط من متخلف وتعطلت دار الجزاء الثاني ولكنها حفت بكل كريهة ليصد عنها المبطل المتواني وتنالها الهمم التي تسمو إلى رب العلى بمشيئة الرحمن فالدنيا مزرعة للآخرة: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل:٢٠]، والعمر فرصة، ونكرر هذا دائماً، فلابد من اغتنام الأعمار، فقد قال الله في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيها لكم يوم القيامة، فمن وجد فيها خيراً فليحمد الله، ومن وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا اتخذوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا إن مجالات الأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى، قال سبحانه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٣٥]، فهذه صفات المؤمنين والمؤمنات الذين يريدون ما عند الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:٢٩]، فالتجارة مع الله تجارة رابحة، والتجارة الرابحة تكون في أن الله يضاعف لعباده الأجر بالعشرات، فالحسنة بعشر أمثالها، ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء.
أخية: إنا سنعرف قيمة العمل الصالح وقيمة العمر في ساعات الاحتضار، وهي لا شك ساعة يؤمن فيها الكافر، ويقر فيها الفاجر.
قال الله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠].
ومر الحسن البصري مع رجل معه على جنازة فقال الحسن لصاحبه: أترى هذا الرجل إذا رجع للحياة يعمل صالحاً؟ قال: نعم، قال: فكن أنت ذلك الرجل، وكوني أنت كذلك فأنت الآن في زمن الإمكان، وأنت الآن في أيام مباركة، والعمر فرصة، والفرص قد لا تتكرر، فكوني ممن يعرفن لله حقه، وكوني من اللائي يعرفن للوقت قيمته، ويعرفن للمناسبات قيمتها وأنها قد لا تتكرر.
وأختم الكلام بكلمات قالها النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه حيث قال: (أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليتزود العبد لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشباب قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت فوالذي نفس محمد بيده! ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار).
فاستعيني بالله على فعل الطاعات، واستعيني بالله على ترك المنكرات.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقكن لفعل ما فيه مرضاته سبحانه، وأن يوفقكن لترك ما فيه سخطه سبحانه.
اللهم! اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم! اغفر لوالدينا، ووالد والدينا، ولكل من له حق علينا.
اللهم! احفظنا في ديننا ودنيانا، وأهلنا وأموالنا.
اللهم! استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].
أستغفر الله العظيم، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.