[أخبار الرجال سبب لرفع الهمة]
ترفع الهمم بقراءة أخبار الرجال، لن أحدثك عن أقوياء ولا عن أصحاء، بل سأحدثك عن أصحاب عاهات من أهل الأعذار، ولكن أعذارهم لم تحل بينهم وبين الوصول إلى الله تبارك وتعالى.
كان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى من أهل الأعذار، ولكنه رأى النور بقلبه فسار في الطريق يلتمس له نوراً، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بيتي بعيد والطريق كله هوام، وليس لي قائد يقودني إلى المسجد.
لديه جميع الأعذار الشرعية ليصلي بالبيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتسمع النداء؟ فقال: نعم، فقال له صلى الله عليه وسلم: لا أجد لك عذراً).
فما تخلف الأعمى عن صلاة الجماعة، وما نام عن صلاة الفجر، فلماذا ينام المبصرون؟ ولماذا يتخلف الأقوياء؟ ولماذا يتكاسل الأصحاء؟ الأعمى يلبي النداء، ولكنه ليس بأعمى، الأعمى والله من تخلف عن أوامر الله وإن كان يسمع ويرى، الأعمى والله الذي صد عن طريق الله وهو يرى الناس يسلكون صراط الله المستقيم.
هل تظن أن همة الأعمى وقفت إلى المحافظة على الصلوات، لا ورب الأرض والسماوات، لما جهز عمر رضي الله عنه الجيوش للخروج إلى بلاد الشام تجهز الأعمى للخروج، وخرج لابساً عدة الحرب، فإذا بـ عمر رضي الله عنه يقول له: إلى أين تذهب يا ابن أم مكتوم وأنت ممن عذرك الله؟ أما قال الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح:١٧]؟ فقال بهمة العالية: تحول بيني وبين الشهادة يا ابن الخطاب؟ فقال رضي الله عنه: ماذا تصنع معهم؟ فقال له: أكثر سواد المسلمين.
فخرج مع من خرج، ولما صفت الصفوف، لم يقل: أصف في الصفوف الخلفية، واحموني من النبال وضرب الرماح، بل وقف في وسط المعركة بهمته العالية وبنيته الصادقة، ثم قال: أنا أحمل لكم الراية اليوم! وهل تدري معنى مسئولية حمل الراية؟ فالراية لا يحملها إلا الأبطال، لا يحمل الراية إلا من هو أهل لحمل الراية، وهل تدري ما قد كتب على هذه الراية؟ مكتوب عليها لا إله إلا الله.
فوقف الأعمى وهو ليس أعمى، الأعمى والله أنا وأنت، حين عرف أصحاب الهمم العالية قيمة حياتهم، بذلوها من أجل الله تبارك تعالى، قال: أنا أكفيكم الراية، فحمل راية لا إله إلا الله في أرض المعركة، وهو يعلم أن الثمن غال، يعلم أنه مستهدف في أرض المعركة لإسقاط الراية، وما سقطت الراية من يد الأعمى؛ لأنه صاحب همة عالية، انتهت المعركة مع غروب ذلك اليوم، فبحثوا عن ابن أم مكتوم فإذا هو متبسم قد فارق الحياة يحتضن تلك الراية، وقد نصر الله المسلمين ذلك اليوم نصراً مؤزراً.
لكن كيف خرج، خرج من أجل إعلاء هذه الراية، كيف يبعث؟ يبعث بين ملايين البشر الذين لا يحصيهم إلا الله وهو يرفع هذه الراية.
أسألكم بالله في ذلك اليوم الذي سيجمع الله فيه الأولين والآخرين، كم هم الذين يحملون هذه الراية؟ وكم هم الذين عاشوا من أجلها؟ وكم الذين ضحوا في سبيلها؟ اللهم اجعلنا منهم ومعهم، اللهم انصرنا بالإسلام وانصر الإسلام بنا يا رب العالمين! نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.