[اغتنم شبابك]
قبل النهاية أوصي الشباب بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم شبابك قبل هرمك)، الشباب: هو زمن العمل؛ لأنه فترة قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة.
لذا قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، رواه الحاكم وصححه.
فالشباب هو وقت القدرة على الطاعة، وهو ضيف سريع الارتحال، فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه حسرات: ألا ليت الشباب يعود يوماً.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه) الحديث.
والسؤال الذي أسألك إياه أخي الكريم: أليس الشباب قطعة من العمر؟ فلماذا التأكيد والتشديد على مرحلة الشباب، ذكر صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في عبادة الله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما آتى الله عز وجل عبداً علماً إلا شاباً والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله جل في علاه: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:٦٠]، وقوله سبحانه: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣]، وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم:١٢].
قالت حفصة بنت سيرين: يا معشر الشباب! اعملوا فإنما العمل في الشباب، وهل كان صحابة محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه إلا شباب؟! شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتاً كريماً طاب في الدنيا غصونا إذا شهدوا الوغى كانوا كماةً يدكون المعاقل والحصونا وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا ولم تشهدهم الأقداح يوماً وقد ملئوا نواديهم مجونا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا وما عرفوا الخلاعة في بنات ولا عرفوا التخنث في بنينا كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا.
حكى المسعودي في شرح المقامات: أن المهدي العباسي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة وإياس يتقدمهم، فقال المهدي: أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم إن المهدي التفت إليه وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني أطال الله بقاء الأمير سن أسامة بن زيد لما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم أبو بكر وعمر، فقال المهدي: تقدم بارك الله فيك.
فالشباب هم روح الأمة، وهم حملة الراية، ولن تقوم للأمة قائمة إلا على أكتاف الشباب الذين يريدون ما عند الله والدار الآخرة.
لقد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً؛ يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة).
اعلم رعاك الله أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال، واحتمال المشتاق تكون الفرحة واللذة.
قيل للربيع بن خثيم: لو أرحت نفسك، قال: راحتها أريد.
وقيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم في الجنة.
أحزان قلبي لا تزول حتى أبشر بالقبول وأرى كتابي باليمين وتسر عيني بالرسول عوتب أحدهم لشدة اجتهاده فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وستكون ولن أكون فيها، ولا أحب أن أغفل أيامي.
فالصلاة خير من النوم، والتجلد خير من التبلد، والمنية خير من الدنية، فكن رجلاً رجله في الثراء وقامة همته في الثريا فإن إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا.
قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:١٨ - ١٩].
وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرَّتْ بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها).
فكم ضاعت ومرت بنا من ساعات؟ عن قتادة أن عامر بن قيس لما حُضِرَ جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك، قال: ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام ليالي الشتاء.
قال فضيل رحمه الله: الزم طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.
قيل لـ محمد بن واسع: إنك لترضى بالدون، قال: إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا.
هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى انتقال فما دنياك إلا مثل ظل أظلك ثم آذن بالزوال اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين.
اللهم أصلح الشباب والشيب واحفظ النساء والأطفال يا رب العالمين.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا حي يا قيوم.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير، واعف عنا الكثير، وتقبل منا اليسير إنك يا مولانا نعم المولى ونعم النصير، أستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.