ما حدث للمسلمين في ذلك اليوم هو بسببين: الأول: مخالفة الأوامر وحب الدنيا، وهذا هو المرض الذي نعاني منه اليوم الذي تداعت علينا فيه الأمم:(قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: أنتم كثير)؛ فهذه الأمة عددها مليار ولكنها لا تملك لنفسها طرف، (أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع من صدور أعدائكم المهابة، ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهة الموت).
فكم أضلت الدنيا من عابد، وكم قتلت من زاهد، وكم أضعفت من مستقيم، وكم تزينت وكم فعلت.
فقال الرماة: الغنيمة الغنيمة، فدخلت في القلب أثارة من دنيا، قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ * مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٥١ - ١٥٢]، فقال عبد الله بن جبير: قد سمعتم الأوامر، فلا يتحرك أحد من مكانه، سواء كانت المعركة لنا أو علينا، قالوا: قد حسمت المعركة وفر القوم، فخالفوا الأوامر، ونزلوا ولم يبق إلا قلة قليلة مع عبد الله بن جبير رضي الله عنه وأرضاه، فلما رأى خالد نزول هؤلاء استغلها فرصة، فدار بفرسانه من ناحية الجبل، وكان معه أكثر من مائتي فارس، فهاجموا القلة القليلة التي كانت على ظهر الجبل، فقتلوهم عن آخرهم؛ وبسبب مخالفة الأوامر قتل أكثر من سبعين من الصحابة، وبسبب مخالفة الأوامر كادوا أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكادت الأمة أن تخسر نبيها في تلك اللحظات.
وفوجئ المسلمون بالقوم يأتونهم من أمامهم ومن خلفهم، واشتعلت النيران على المسلمين، واختلت الصفوف، فأصبح المسلمون في حيرة من أمرهم، ولم تعد هناك خطة تتبع، وفشلت تلك الخطة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم، وما فشلت لأنها لم تكن على قدر أرض المعركة، لكن كان فشلها لأن الذين كلفوا بتطبيق تلك الخطة قد خالفوا الأوامر بسبب شيء من حب الدنيا.