التوبة الصحيحة لها علامات تعرف بها، منها: أولاً: أن تكون الأمة بعد التوبة خيراً مما كانت عليه قبلها.
ثانياً: أنه لا يزال الخوف مصاحباً لها، فلا تأمن مكر الله طرفة عين، فخوفها مستمر إلى أن تسمع قول ملائكة الرحمة عند الموت:{أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:٣٠ - ٣٢]، فهناك يزول الخوف والجزع.
ومن علامات التوبة الصحيحة المقبولة: انخلاع القلب، وتقطعه ندماً وخوفاً، وهذا على قدر الجناية وعظمها، فمن لم يتقطع قلبها في الدنيا حسرة وخوفاً على ما فرطت تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق، ورئي ثواب المطيعات، وعقوبة العاصيات، فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا وإما في الآخرة.
قال عمر بن ذر: كل حزن يبلى، إلا حزن التائب عن ذنوبه.
ومن علامات التوبة الصحيحة أيضاً: كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء، كسرة أحاطت بالقلب من جميع جهاته، وألقته بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً، فلا شيء أحب إلى الله من هذه الكسرة والخضوع، والتذلل والإخبات، والانطراح بين يديه، والاستسلام له، وما أحلى قول الأمة في هذه الحال: اللهم إني أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، وأسألك بقوتك وضعفي وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، إمائك سواي كثير، وليس لي رب سواك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبتها، ورغم لك أنفها، وفاضت لك عينها، وذل لك قلبها، أن تغفر لي وترحمني، فهذا وأمثاله من آثار التوبة المقبولة، فمن لم تجد ذلك في قلبها، فلتتهم تلك التوبة ولتراجع الحسابات، فما أسهل التوبة في اللسان! وما عالج أهل الصدق شيئاً أشق من التوبة الخالصة الصادقة.
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى مناط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل ويرى خرير الدم في أوداجها متنقلاً من مفصل في مفصل ويرى وصول غدا الجنين ببطنها في ظلمة الأحشا بغير تمقل ويرى مكان الوطء من أقدامها في سيرها وحثيثها المستعجل ويرى ويسمع حس ما هو دونها في قاع بحر مظلم متهول امنن علي بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأول قال شقيق البلخي: علامة التوبة: البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار.
اللهم! اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.