كان المشركون في يوم بدر أكثر عدداً من المسلمين، وكانوا أفضل في قضاياهم التنظيمية، فلقد أعدوا واستعدوا وخرجوا للقتال، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثمائة وأربعة عشر، يزيدون أو ينقصون، وعدد المشركين يتجاوز الألف، وكان مع المسلمين فرسان ومع المشركين مائة فرس! كان مع المسلمين سبعون بعيراً ومع الكفار سبعمائة بعير! الكفار تحصنوا بالدروع والسيوف، وكل وسائل الحرب، والمسلمون لا يملكون منها إلا القليل.
كان المسلمون من قبائل شتى، وكانت قريش من قبيلة واحدة.
فكيف انتصروا مع ذلك؟! إنه انتصار العقيدة، فلقد بدل الإسلام العقول والنفوس من حال إلى حال، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم القائد الأعلى مثالاً شخصياً رائعاً لأصحابه في التضحية والفداء، ونحن ما اجتمعنا إلا لمعرفة سيرته العطرة، أسأل الله أن يجمعنا به في جنات النعيم! تأمل أثر القائد وتأثيره على أولئك الجنود، فقد كان كل ثلاثة من المسلمين يوم بدر يتعاقبون على بعير فإذا كان دور النبي صلى الله عليه وسلم في النزول عن البعير قال له صاحباه: ابق في مكانك، ونحن نمشي فيقول:(ما أنتما بأقوى مني على المشي، وما أنا بأغنى منكما عن الأجر).
أي: فأنا مثلكم آكل مما تأكلون، وأشرب مما تشربون.
ولما نشب القتال خرج ثلاثة من رجالات المشركين يطلبون المبارزة، فخرج لهم ثلاثة من الأنصار، فارجع النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأنصار وأخرج بني عمومته فقال:(قم يا حمزة! قم يا حارث! قم يا علي!) فما آثر أقاربه وجعلهم في الصفوف الأخيرة بل جعلهم في المقدمة.
وروي أنه قال لهم:(قوموا قاتلوهم بحقكم الذي بعث الله به نبيكم، إنهم جاءوكم بباطلهم ليطفئوا نور الله) فلم يؤثر ذوي القربى بالراحة والاطمئنان، بل آثرهم بالنزال والطعان، فقدمهم في أول الصفوف.