إن النصر من عند الله، وليس من عند خالد، والأمة تمتلك أمثال خالد الكثير، وتخيل خالداً وهو في قمة انتصاراته فيرسل عمر بعد أن مات أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه برسالة إلى الشام يعزل فيها خالداً في أوج انتصاراته، فقال عمر فيما قال: ما عزلت خالداً عن سخطة ولا عن خيانة، ولكني رأيت الناس قد فتنوا بـ خالد، فأردت أن يعلم الناس أن النصر من عند الله الصانع وليس من عند خالد ولم يتوقف خالد يوم أن عزل عن خدمة الإسلام، فهو يخدم الإسلام أميراً وجندياً وفي أي مكان يوضع فيه، وهكذا رجال الإسلام فليس همهم المناصب ولا العطايا، وإنما همهم الله والدار الآخرة.
لقد خاض خالد سنوات طوالاً في أرض المعارك، فلو كشف عن جسده لرأيت كل موضع فيه ضربة بسيف أو طعنة برمح فلله در ذلك البطل، وقد طلب خالد الشهادة في مضانها هنا وهناك، وخاض أكثر من مائة معركة ولكن الله قضى على خالد أن يموت على فراشه، فلا نامت أعين الجبناء.
فمن أخبار خالد أنه كان يقول: والله ما ليلة بتها والسماء تظلني والأرض تقلني في سرية من المهاجرين في ليلة دافئة أحب إلي من ليلة أدخل فيها على عروس أو أبشر بغلام.
فانظر إلى الهمم، وقل لي: أين نحن من هؤلاء؟ كان إذا اشتدت المعركة وحمى الوطيس طأطأ برأسه إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم ناجى الله ثم قال: والله! ما هو إلا الموت والجنة وما إلى المدينة من سبيل.
وقال فيما قال: شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن، فماذا شغل الشباب اليوم عن الآيات وتدبر القرآن؟ هل شغلهم الجهاد والإعداد والاستعداد أم شغلتهم القنوات والمباريات عن تدبر آيات الله؟ إن الأمة لن تنهض إلا على أكتاف الشباب، ولن تقوم للأمة قائمة ويتبدل الحال إلا على أكتاف الشباب.
والشباب المسلم هم الذين جعلوا خالداً ومن معه قدوة لهم وساروا على طريقهم فتشبهوا بهم، فإن التشبه بالصالحين فلاح.
فاليوم والظروف كما يعلم القاصي والداني من تآمر الكفار يمنة ويسرة على أن يطفئوا نور الله ولكن:{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة:٣٢].
إن الإسلام يصنع الرجال كأمثال خالد وكـ خطاب وغيرهما من الرجال، وسبحان الله يموت كل يوم العشرات بل المئات بل الألوف ولكن لا يعني موتهم شيئاً، ويموت واحد فتفجع الأمة في أدنى الأرض وأقصاها لفقده.
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعيرُ ولكن الرزية فقد فذ يموت بموته خلق كثير