[عقوبة هذه الأمة ليست كعقوبة الأمم السابقة]
أيها الناس! أيها المسلمون! يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اشكروا نعمة الله عليكم بما أنعم به عليكم من هذه النعمة التي ستسمعونها يا أمة محمد! يا أفضل الأمم وأكرمها على الله عز وجل! إن الله لم يجعل عقوبة هذه الأمة على معاصيها وذنوبها كعقوبة الأمم السابقة بالهلاك العام المدمر كما حصل لعاد حين أهلكوا بالريح العاتية: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:٧ - ٨].
ولم يجعلها كعقوبة ثمود الذين أخذتهم الصيحة والرجفة {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:٦٧].
ولم تكن كعقوبة قوم لوط الذين أرسل الله عليهم حاصباً من السماء، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها.
أيها المسلمون! إن الله بحكمته ورحمته بهذه الأمة جعل عقوبتهم على ذنوبهم ومعاصيهم أن يسلط بعضهم على بعض، فيهلك بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، قال الله عز وجل: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:٦٥ - ٦٦].
وقد أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره أحاديث عديدة تتعلق بالآية الأولى، منها ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لما نزلت هذه الآية: ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ)) [الأنعام:٦٥]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك الكريم! ((أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)) [الأنعام:٦٥]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك الكريم! ((أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)) [الأنعام:٦٥] قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه أهون وأيسر).
وما أخرجه مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين فصلينا معه، فناجى ربه عز وجل طويلاً، ثم قال: سألت ربي ثلاثا: سألته ألَّا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالسنة -أي: بالجدب كما حصل لآل فرعون- فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها).
وهذا هو واقعنا اليوم، يوم أن تركنا الجهاد وانشغلنا ببعضنا البعض فأصبح بأسنا بيننا شديد.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: وافيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها كلها، حتى كان مع الفجر فسلم صلى الله عليه وسلم من صلاته، فقلت: يا رسول الله! لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل إنها صلاة رغب ورهب، وقد سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي عز وجل ألا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل ألا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها -وانظر بارك الله فيك فإن الأمة تقاوم الأعداء الخارجيين بكل قوة، فهذه الفلوجة على ما فيها من الضعف تقاوم الأعداء بكل قوة وشراسة لكن بأسنا بيننا شديد - وسألت ربي عز وجل ألا يلبسنا شيعاً ويذيق بعضنا بأس بعض فمنعنيها).
قال شيخنا رحمه الله: أيها المسلمون! إنكم تؤمنون بهذه الآيات، وتؤمنون بالأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا تفكرون فيها؟ ولماذا لا تعزون هذه المصائب التي تحصل إلى تقصير في دينكم حتى ترجعوا إلى ربكم، وتنقذوا أنفسكم من أسباب الهلاك المدمرة؟! فاتقوا الله عباد الله، وانظروا في أمركم، وتوبوا إلى ربكم، وصححوا إليه مسيرتكم، واعلموا أن هذه العقوبات التي تنزل بكم -أيها الأمة- وهذه الفتن التي تحل بكم إنما هي من أنفسكم وبذنوبكم، فأحدثوا لكل عقوبة توبة ورجوعاً إلى الله، واستعيذوا بالله من الفتن المادية التي تكون في النفوس بالقتل والجرح والتشريد، وفي الأموال بالنقص والدمار، والفتن الدينية والتي تكون في القلوب بالشبهات والشهوات التي تصد الأمة عن دين الله، وتبعدها عن نهج سلفها، وتعصف بها إلى الهاوية.
فإن فتن القلوب أعظم وأشد وأسوأ عاقبة من فتن الدنيا؛ لأن فتن الدنيا إذا وقعت لم يكن فيها خسارة إلا خسارة الدنيا، والدنيا سوف تزول عاجلاً أو آجلاً، أما فتن الدين فإن بها خسارة الدنيا والآخرة، قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:١٥].
اللهم إنا نسألك ونحن في انتظار فريضة من فرائضك أن تجعلنا من المعتبرين بآياتك، المتعظين عند نزول عقوباتك.
اللهم اجعلنا من المؤمنين حقاً الذين يعزون ما أصابهم من المصائب إلى أسبابه الحقيقية الشرعية التي بينتها في كتابك، وعلى لسان رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم ارزق الأمة الإسلامية وولاتها رجوعاً إليك، رجوعاً حقيقياً في الظاهر والباطن، في القول والفعل حتى تصلح الأمة؛ لأن صلاح الولاة صلاح للأمة.
اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمور المسلمين، وأن ترزقهم الاعتبار بما وقع، وأن توفقهم لما تحب وترضى يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تبعد عنهم كل بطانة سوء إنك على كل شيء قدير، اللهم أبدلهم ببطانة خيِّرة تدلهم على الخير وتأمرهم به، وتحثهم عليه يا رب العالمين.
اللهم اجعلهم سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين.
اللهم من كان من بطانة ولاة أمور المسلمين ليس ناصحاً لهم ولا لرعيتهم فأبعده عنهم، وأبدلهم خيراً منه يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.