لقد تفقد النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء، فنظر إلى حنظلة وقال:(والله الذي لا إله إلا هو إن الملائكة لتغسله بين السماء والأرض!) وسأل زوجه جميلة: ما خبر حنظلة؟ فأخبرتهم أنه دخل عليها في ليلة المعركة، فلما أصبح الصباح سمع منادي الجهاد ينادي، فخرج على جنابته، ولم يكن هناك وقت حتى يغتسل، فغسلته الملائكة بين السماء والأرض! أما عبد الله بن حرام أبو جابر فقال لأم جابر: يا أم جابر! إني أرى أني أقتل، وقال: أوصيك يا جابر! بأخواتك وأمك خيراً، وقتل عبد الله بن حرام مقبلاً غير مدبر، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم جابراً يبكي، فقال:(يا جابر! والله الذي لا إله إلا هو إن الله كلم أباك كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، وقال: تمن يا عبدي! قال: يا رب! أتمنى أن أرجع فأقتل فيك، قال: إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون، لكن أُحلّ عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(من يأتيني بخبر سعد بن الربيع؟) فأخذوا يبحثون عنه بين القتلى، فوجدوه في آخر رمق من الحياة، فقال له الذي كان يبحث عنه وهو أبي بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك يا سعد؟ قال: أقرئ النبي مني السلام وقل له: والله إني لأجد ريح الجنة، ثم وصى بوصية - وهو في آخر رمق من الحياة- فقال: وأقرئ قومي الأنصار مني السلام، وقل لهم: لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف، ثم فارق الحياة.
وما وصى بمال ولا وصى بعيال، بل وصى بالقضية التي كانت تشغله، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بخبر سعد استعبر ودمعت عيناه، ثم توجه إلى القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال:(اللهم الق سعد بن الربيع وأنت عنه راض)، فرحمك الله يا سعد نصحت للإسلام حياً وميتاً.
وأما عمرو بن الجموح فسطر قصة عجيبة في ذلك الموقف، ففي ليلة أحد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الخروج، فرده أبناؤه، وقالوا: أنت أعرج من أهل الأعذار، وليس على الأعرج حرج، فقال بنبرة صادقة وعزيمة صادقة: والله لأطأن بعرجتي الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(خلوا بينه وبين ما أراد)، وكان له ذلك، فقتل شهيداً في ذلك اليوم.