للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شاب لا يصلي فاسود جلده بعد الموت]

يقول أحد الذين يغسلون الموتى: جيء لنا بشاب في مقتبل العمر شديد البياض، فما أن بدأنا بتغسيله حتى انقلبت بشرته من البياض إلى السواد الشديد والعياذ بالله، وصدق الله حين قال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال:٥٠ - ٥١]، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:١١٧].

يقول: انقلبت بشرته من البياض إلى السواد الشديد والعياذ بالله، وخفنا من المنظر، وخرجنا من مكان التغسيل، فإذا رجل يدخن خارج الغرفة، قلنا: الميت ميتكم؟ قال: نعم، أنا أبوه.

الأسرة كلها تعيش في غفلة لا يعلمها إلا الله، قلت: ما خبر ميتكم هذا؟ قال: ميتنا هذا لم يكن من المصلين! قال: قلت: خذوا ميتكم أنتم غسلوه وكفنوه، أما حكم الله ورسوله في هذا أنه لا يغسل ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يحمل على الرقاب، ولا يدعى له، ولا يستغفر له، بل تحفر له حفرة في الصحراء يكب فيها على وجهه والعياذ بالله، قال تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:١١٧].

إنها الغفلة، وما تصنع بأصحابها، ألم نودع أمثال هؤلاء؟ لقد ودعنا أمثال هؤلاء كثيراً، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦]، وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:١٧] أما آن أن نعتبر بمن مضى؟ خل ادكار الأربع والمعهد المرتبع والظاعن المودع وعدَّ عنه ودعِ واندب زماناً سلفاً سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفاً على القبيح الشنع كم ليلة أودعتها مآثماً أبدعتها لشهوة أطعتها في مرقد ومضجع وكم خطىً حثثتها لخزية أحدثتها وتوبة نكثتها لملعب ومرتع وكم تجرأت على رب السماوات العلى ولم تراقبه ولا صدقت فيما تدعي وكم غمطت بره وكم أمنت مكره وكم نبذت أمره نبذ الحذا المرقع وكم ركضت في اللعب وفهت عمداً بالكذب ولم تراع ما يجب من عهده المتبع فالبس شعار الندم واسكب شآبيب الدم قبل زوال القدم وقبل سوء المصرع إلامَ تسهو وتني ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني ولست بالمرتدع أما ترى الشيب وخط وخط في الرأس خطط ومن يلح وخط الشمط بفوده فقد نعي ويحك يا نفس احرصي على ارتياد المخلص وطاوعي وأخلصي واستمعي النصح وعي واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى واخشي مفاجاة القضا وحاذري أن تخدعي وانتهجي سبل الهدى وادكري وشك الردى فإنَّ مثواك غداً في قعر لحد بلقع آهاً له بيت البلا والمنزل القفر الخلا ومنزل السفر الألى واللاحق المتبع بيت يرى من أودعه قد ضمه واستودعه بعد الفضاء والسعة قيد ثلاث أذرع لا فرق أن يحله داهية أو أبله أو معسر أومن له ملك كملك تبع فالكل سيموت: الصغير سيموت، والكبير سيموت، والذكر سيموت، والأنثى ستموت، والغافل سيموت، والصالح سيموت، والله لا يظلم أحداً، أما أهل الغفلة فتأخذهم الغفلات في ساعات احتضارهم، وأما الصالحون فيثبتهم الله عند ساعات احتضارهم.