والاستغفار من صفات الأنبياء والصالحين، قال الله:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:٢٨٥]، وقال عنهم:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}[آل عمران:١٩٣]، وقال عن نوح:{رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود:٤٧]، وقال عن السحرة:{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا}[طه:٧٣]، وقال عن داود:{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[ص:٢٤]، وقال عن سليمان:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص:٣٥]، ليس عيباً أن نخطئ، لكن العيب أن نتمادى في الخطأ، وتكرار الذنب تلو الذنب، بلا توبة ولا ندم ولا استغفار.
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني يا زلة كتبت في غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تحرقني دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكير والحزن دع عنك عذلي يا من كنت تعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهلا عسى عبرة منها تخلصني فأحب الناس إلى الله الذين يطأطئون الرءوس ويقولون: أستغفر الله، قال الله لأحد أنبيائه:(بشر المذنبين أنهم إن تابوا قبلت منهم، وحذر الصالحين أني إذا أخذتهم بعدلي عذبتهم) وهذا حتى لا يغتر الصالح بعمله، ولا يقنط العاصي من رحمة الله جل في علاه، لكن لا بد أن تعلم أن قبول الله للاستغفار يرتبط بالتوبة والعمل الصالح، كما قال الله:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه:٨٢] وقال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}[مريم:٦٠] وفي الحديث القدسي: (أذنب عبدي ذنباً، فاستغفرني، علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، غفرت لعبدي، ثم أخطأ، ثم استغفر، فقال الله: أذنب عبدي ثم استغفرني، علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي)، وفي الحديث:(لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يستغفرون الله فيغفر لهم).
فالله اسمه التواب، ولابد أن هناك ناساً يذنبون ويتوبون حتى يتوب الله عليهم، والله اسمه الغفار، ولابد أن هناك أناساً يخطئون فيستغفرون الله فيغفر لهم، قال الفضيل: استغفار بلا إقلاع، وبلا توبة وبلا ندم هذا استغفار الكذابين، ولاحظ من يقول بعد الصلاة ثلاثاً: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثم انظر في حاله إذا خرج من مسجده، شاشات وقنوات، ودخان، ومقاه وآهات، أين ذهبت أستغفر الله وأتوب إليه؟! لذلك قال أحد الصالحين: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
وقد سئل سهل بن سعد عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب قال: أول الاستغفار الاستجابة ثم الإنابة ثم التوبة، فأول الاستغفار الاستجابة، قال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:٢٤] ثم الإنابة: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}[الزمر:٥٤] ثم توبوا.
إذاً: فاستجابة ثم إنابة ثم توبة، قال: فالاستجابة عمل الجوارح، فلا ينظر ولا يسمع ولا يرى ولا يذهب ولا يأتي إلا في طاعة، ثم الإنابة: وهي عمل القلب، فيخضع ويستكين لله رب العالمين، ثم التوبة والإقبال على الله بالقلب والجوارح.