[وصول الجيش الإسلامي إلى المدينة]
وصل خالد بجيشه إلى المدينة دون أن يتعرض لأي خطر في الطريق، فكيف استقبلت المدينة الجيش وقد وصلت إليهم الأخبار أن المسلمين قد فروا وانهزموا من أرض المعركة؟ استاء أهل المدينة لذلك، فما كاد خالد يصل بجيشه إلى ضواحي المدينة حتى قابلتهم مظاهرة كبيرة تندد بالجيش، وكان المتظاهرون يصيحون بالجيش: يا فرار! يا فرار! فررتم من الموت في سبيل الله؟! ويحثون في وجوه الجند والقادة التراب.
وأما النساء فلم يفتحن لأزواجهن الأبواب، وأغلقن الأبواب دونهم قائلات لهم: أما كان لكم أن تموتوا مع أصحابكم؟! أما الأطفال فقد استقبلوا خالداً ومن معه في أزقة المدينة بالحجارة والتراب قائلين لهم: يا فرار! يا فرار! ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بالأخبار الصحيحة مقدار التضحيات والبطولات التي قام بها الجيش المسلم، فقام مدافعاً عن الجيش وأفراده قائلاً: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله).
فأنقذ خالد جيشه من فناء محقق بخطة عسكرية بارعة، وألحق بالرومان أبشع هزيمة، وألحق بهم شر مقتلة وهزيمة، وحملهم الخزي والعار.
هذه أخبارهم فما هي أخبارنا؟! هذه تضحياتهم فأين تضحياتنا؟! هذه بطولاتهم فأين بطولاتنا؟! هذه أخبار شيبهم وشبابهم فما هي أخبار شبابنا وشيبنا؟! هذه أخبار نسائهم فما هي أخبار نسائنا؟! هذه أخبار أطفالهم فما هي أخبار أطفالنا؟! ما الفرق بين الأمس واليوم؟ اسمعه بارك الله فيك! بالأمس كان صغارنا يستقبلون خالداً ومن معه في أزقة المدينة بالحجارة، كانوا يقولون لـ خالد ومن معه: إلى أين يا فرار؟ واليوم صغارنا يستقبلون غانية ومطرباً بيده قيتار، ولاعباً في صالة المطار بالورود والأزهار! ملكنا هذه الدنيا قروناً وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا بنينا حقبة في الأرض ملكاً يدعمه شباب طامحونا شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتاً كريماً طاب في الدنيا غصونا إذا شهدوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونا وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا ولم تشهدهم الأقداح يوماً وقد ملئت نواديهم مجونا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا ترى هل يرجع الماضي؟ فإني أذوب لذلك الماضي حنينا لقد استطاعوا أن يسطروا تلك البطولات، وأن يصنعوا تلك الانتصارات؛ لما حققوا الإيمان والتقوى والإحسان، فلما ضعف ذلك في حياتنا ذهبت الأمجاد والانتصارات، وإنما ضعف الإيمان بسبب كثرة الذنوب والمعاصي والآثام.
ماذا صنعت بنا وبشبابنا وبفتياتنا الشاشات والقنوات؟ كم أفسدت! كم دمرت! لا حياة لمن تنادي.
أردت في بداية العام أن أذكر الأحفاد بما صنع الأجداد، أردت أن أذكر الرجال بما صنع الأبطال.
أقول وأردد بأعلى الصوت: إن كانوا قد استطاعوا، فنحن أيضاً نستطيع، فالمنبع واحد والمصدر واحد، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.
وهذه دعوتنا نصرخ بها مرة ثانية وثالثة، وقد رفعناها منذ أيام: فلنطهر بيوتنا من الشاشات والقنوات، لماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! فمن الشجاع الذي سينتصر اليوم لربه ولدينه؟ من الذي سيغير المنكر انتصاراً لأمته ولعقيدته؟ من الذي سينطلق الآن ويستجيب لنداء الإيمان الذي حطمته الأطباق والقنوات؟ من الذي سيرقى اليوم على سطح البيت ويزيل ذلك الطبق، ويأتي به في ساحة المسجد، ويكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر؟ لقد استجاب نفر وانتصروا لدينهم، وتلك أطباقهم في صرح المسجد، أسأل الله لهم الثبات، وليبشروا بالخير، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً مما ترك.
هذا عام قد انتهى وهذا عام جديد، فلنطو الماضي بكل ما فيه، ولنفتح صفحة جديدة شعارها: لا إله إلا الله، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، ونحن في انتظار الأبطال الذين سيغيرون المنكر في بيوتهم، ويأتون بالأطباق فيكونون قدوة للآخرين، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
اللهم! إنا نسألك مع نهاية عام وبداية عام أن تعيدنا إليك عوداً حميداً جميلاً يارب العالمين.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسمين، ودمر الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين.
اللهم! طهر بلادنا وبلاد المسلمين من الكفر والشرك والبدع والخرافات والضلالات.
اللهم! آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم! أصلح ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين، اللهم! هيئ لهم بطانة صالحة تعينهم على الخير إذا فعلوه، وتذكرهم به إذا نسوه.
يا حي يا قيوم! يا بديع السموات والأرضين! اللهم! طهر بيوتنا من الفواحش والمنكرات، ومن الأغاني الماجنات، واحفظ شبابنا وشيبنا، وعف نساءنا وأطفالنا يا رب العالمين.
اللهم! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا يا حي يا قيوم.
اللهم! انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك الموحدين، اللهم! من انتصر على نفسه وأزال الدش من بيته فأبدله بذلك خيراً يا حي يا قيوم، اللهم! من انتصر لأجلك ولأجل دينك فانصره في الدنيا والآخرة يا رب العالمين، وأبدله خيراً مما ترك يا حي يا قيوم.
اللهم! أصلح شيبنا وشبابنا، واحفظ نساءنا وأطفالنا يا رب العالمين.
اللهم! من أقام هذا المسجد فاجزه خير الجزاء يا رب العالمين، اللهم! بارك لهم في أموالهم، وبارك لهم في أزواجهم، وبارك لهم في ذرياتهم، وارحم موتانا وموتاهم يا حي يا قيوم.
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].