جمع النبي صلى الله عليه وسلم كبار القوم من المهاجرين والأنصار وبدأ الرأي والمشورة بينهم، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إشارة لا أمراً، فقال:(نقاتلهم داخل المدينة) أي نتحصن داخل المدينة -وهو ما يسمى اليوم بقتال الشوارع- لأن ذلك أدعى للتنكيل بالعدو، فالعدو لا يعرف أين المخابئ التي يختبئ بها المسلمون، ثم ستكون هناك فرصة لزيادة العدد، فالنساء سيقاتلن على ظهور البيوت، وسيرمين العدو بالحجارة، وستجتمع الكلمة الواحدة داخل المدينة، فأبى الشباب المتحمس إلا الخروج، ومنهم نفر لم يخرج يوم بدر، فقالوا: يا رسول الله! إنا لندعو الله لمثل هذا اليوم، أي: فكيف يوم أن جاء عدونا نجعلهم يدخلون علينا في دارنا؟! وكان أول المتحمسين أسد الله حمزة فقال: يا رسول الله! والله! لا أطعم طعاماً حتى أناجزهم خارج المدينة، وحمزة رضي الله عنه هو الذي فعل بهم الأفاعيل يوم بدر، وقد كان الفرسان يهابون أن يقفوا أمام حمزة، ولا أحد يستطيع أن يقوم أمام أسد الله، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن رأي الأكثرية هو الخروج وافق على هذا وهو يرى أن المصلحة في البقاء، ووافقه على البقاء رأس الكفر والنفاق عبد الله بن أبي بن سلول؛ لأنه لا يريد الخروج والقتال أصلاً، وهو أجبن من أن يقاتل مع المسلمين، فقاتل الله المنافقين طباعهم لا تتغير في كل حين، وصفاتهم لا تتغير {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة:٤٧].
فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة ثم دخل إلى داره ولبس لأمته ولبس كامل ثياب الحرب وخرج، فلما رأى الرجال أنهم قد أكرهوا النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج قالوا: يا رسول الله! كأننا قد أكرهناك، فاعمل بالرأي الذي تراه، فقال بهمته العالية:(ما كان لنبي أن يضع لأمته حتى يحكم الله بينه وبين عدوه) أي: ما كان لنبي أن يتردد عن قتال أعداء الله بعد أن وضع عدة السلاح؛ وقد عمل ذلك حتى يبين لهم أنه لا تردد في هذا الطريق.