[انتظار الحساب]
إنه اليوم الطويل إنه يوم مقداره خمسون ألف سنة إنه يوم الطامة ويوم الصاخة إنه يوم الحاقة ويوم القارعة إنه يوم الفرار {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧].
والناس على هذه الحال والموقف شديد والكرب العظيم ويطول الانتظار والكل ينتظر الحساب والوقوف بين يدي الملك الديان.
ثم يأتي الفرج بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أبي هريرة في مسلم: (كنا في دعوة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه الذراع وكان يحبها، فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، أتدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فلا يغادر منهم أحداً، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، فتدنو الشمس من رءوس العباد، فيغرق الناس في عرقهم كل على قدر عمله، فتزداد بهم الأهوال والشدائد، فينظر بعضهم إلى بعض فيقولون: ألا ترون ما نحن فيه ألا تدرون ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا ترون من يشفع لنا عند ربنا، فيقول بعضهم لبعض: أبوكم آدم، فيأتون آدمً فيقولون: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأمر الملائكة أن تسجد لك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا تشفع لنا عند ربنا؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباًً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن تلكم الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحاً فيقولون: أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك لله عبداً شكوراً، أما ترى ما نحن فيه أما ترى ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا تشفع لنا عند ربنا، فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم.
فيأتون إبراهيم فيقولون: يإبراهيم أنت نبي الله وخليله، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا تشفع لنا عند ربنا، فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كذبت ثلاث كذبات، ثم يقول: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى.
فيذهبون إلى موسى فيقولون: يا موسى! أنت نبي الله وكليمه، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا تشفع لنا عند ربنا؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى.
فيأتون عيسى فيقولون: أنت نبي الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا تشفع لنا عند ربنا؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله -ولا يذكر ذنباً- ثم يقول: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد).
تخيلي أمة الله! هذا حال الأنبياء، هذا حال أولو العزم من الرسل، يسألون الله السلام، فكيف سيكون حالي وحالك.
(فيأتون محمداً -وفي رواية- فيأتوني فيقولون: يا محمد! أنت نبي الله وخاتم المرسلين، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، أما ترى ما نحن فيه أما ترى ما قد بلغنا من الهم والغم والكرب ألا تشفع لنا عند ربنا؟ فيقول الحبيب: أنا لها أنا لها، فينطلق إلى العرش ويخر أمام العرش ساجداً، فيفتح الله عليه من المحامد والثناء عليه ما لم يفتحه على أحد من قبل، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، وشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أمتي أمتي).
الحبيب لم ينسنا على شدة الموقف، على شدة الأهوال نادى بأعلى الصوت: أمتي أمتي أمتي فأين أمته من سنته سيرته ونصرته ونصرة دعوته {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].
(فيقال: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب! أمتي أمتي أمتي، فيقال: أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من الجنة، وهم شركاء للناس في سائر الأبواب يقول: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، وليأتين عليها يوم وهي كظيظ من الزحام).