ما الذي دفعني للذهاب؟ لقد شاهدت مثلكم ما بُثَّ على شاشات الفضائيات، ورأينا ما حل من الدمار، لكن حز في خاطري أنني رأيت الصليب يتجول هنا وهناك في بلاد المسلمين، حز في خاطري أني رأيت المعونات تقدم إلى المسلمين ممن يضعون الصليب على صدورهم وعلى ظهورهم! فقلت: أين نحن عن إخواننا هناك؟ وأين الهيئات والمنظمات الإسلامية؟ نعم لقد قدمت معونات وبلادنا أيضاً ممن قدم المعونات لكنها كلها ذهبت تحت إطار الأمم المتحدة التي يتزعمها الصليب، والذي قدم تلك المعونات هو الصليب للمسلمين هناك، فحز في خاطري أن أيام العيد قادمة وأنه ليس بين المسلمين من يواسيهم في مصابهم وفي آلامهم إلا أبناء الصليب، ورأيت من فتيات الصليب ومن شبابه متطوعين أتوا من كل مكان لكي يساعدوا في عمليات الإنقاذ والإعمار والتنظيف وإخراج الموتى، وما رأيت من العرب أحداً، ولا من المسلمين أحداً، ورأيت من شبابهم وكبار سنهم صغاراً وكباراً يتجولون بين الملاجئ والمستشفيات، وليس ذلك منهم حباً في الإسلام والمسلمين، والله! ما جاءوا لأنهم يحبوننا، لكنهم جاءوا حتى يبينوا للمنكوبين أن الصليب معهم، وأن الصليب يساعدهم في نكباتهم.
فقررت الذهاب قبيل بداية شهر ذي الحجة بأيام، قالوا لي: تأخر إلى ما بعد الحج، لكني أعرف أن الجرح إذا تطاول عليه الزمان يبرأ يوماً بعد يوم، والذي نراه اليوم ليس كالذي نراه غداً وبعد غد، اليوم سترى أشياء ثم هذه الأشياء ستندثر وتختفي، ولن ترى ما تراه في بداية الأمر وفي أول المصاب، ثم إني أردت أن أكون بين أولئك في أيام العيد لأنظر كيف سيقضون أيام العيد! فقررت السفر، فاخترت صحبة للذهاب معي، لكن صحبتي تخلت وتقاعست في آخر اللحظات، وعذرهم أن الظروف الأمنية لا تسمح، وأن الظروف الصحية لا تسمح، وأن الأوضاع هناك مضطربة ولا أحد يستطيع أن يذهب إلى هناك، فقلت: سبحان الله! كيف ذهب أبناء الصليب وما وضعوا هذه العراقيل وهذه العقبات، لماذا عندما نقدم دائماً نتأخر ونضع العراقيل ونضع العقبات ولا يضعونها هم؟! لذلك تقدموا هم وتأخرنا نحن، فقررت السفر ولو كنت بمفردي.
واستشرت أمي رحمها الله فقالت: ما دام الأمر طاعة، وفي مرضاة الله فصلِّ واستخر ثم توكل على الله، فكانت هذه الكلمات دافعاً لي على أن أعزم على الذهاب ولو كنت سأذهب بمفردي، فاتصلت على الإخوان في الكويت من جمعية إحياء التراث الكويتي، ولهم مكتب هناك، ثم مع بداية الأحداث فتحوا مكتباً آخر في المناطق المنكوبة فقالوا: سنستقبلك وسنرتب لك الأمور، وهذا شجعني على الذهاب حتى وإن كنت بمفردي.
فما الذي دفعني للذهاب؟ لقد دفعني إلى ذلك أولاً: أن الذي حدث هناك آية من آيات الله أردت أن تكون واعظاً لي أنا أولاً ثم واعظاً للذين سأنقل لهم الصورة، وأردت من ذهابي أيضاً أن أرى بأم عيني حقيقة ما حدث، فصحيح أننا سمعنا ونقل لنا من هنا ومن هناك لكن ليس الخبر كالمعاينة، وليس من رأى كمن سمع، فأعددت العدة للسفر، وأسميت الرحلة من أولها إلى آخرها برحلة الأحزان، فهذا ما رأيت في رحلة الأحزان، وكيف لا تكون رحلة أحزان وقد رأيت مصرع آلاف من البشر؟! كيف لا تكون رحلة أحزان وقد رأيت من أحوال المسلمين ما يدمي القلب، ويقض المضجع، ويدمع العين؟! لقد رأيت أهوالاً عظاماً لعلي أستطيع أن أصورها لكم في هذه الساعة المحدودة وإلا فالأمر أعظم مما سأتكلم وأعظم مما سأقول.