الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، وقيوم السماوات والأرضين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأثني عليه الخير كله.
هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يعز ويذل، يحيي ويميت، لا راد لفضله، ولا معقب لحكمه، وهو أسرع الحاسبين، وأحكم الحاكمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد له، ولا ند له، ولا مثيل له:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه أجمعين.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي المؤمنة! حياك الله وبياك، وسدد على طريق الحق خطاك، وأسأله سبحانه أن يجمعنا وإياكن في دار كرامته {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر:٤٧].
تكلمنا فيما مضى عن الوقت وأهميته، وأن الوقت هو العمر، وأن العمر هو أخو المال، وأنه أغلى من الذهب ومن الفضة، وإذا مضى فإنه لا يرجع أبداً، والفَطِنة الذكية هي التي تعرف قيمة الوقت، وتستغل أوقاتها في مرضاة ربها، وذلك بمجاهدة النفس على فعل الطاعات، وبمجاهدة النفس على ترك المحرمات، قال الله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:٦٩]، فإن خير ما تصرف فيه الأوقات هي الأعمال الصالحات على اختلاف أنواعها من ذكر، وصلاة، وقيام، وقراءة قرآن، ومن أمر بمعروف ونهي عن منكر، وصلة أرحام، والمجال لذكر الأعمال الصالحة يضيق؛ لكثرة هذه الأعمال، فالمجال مفتوح لمن أراد أن يتقدم أو يتأخر.
فحث الله تبارك وتعالى عباده على المسارعة والمسابقة فيما ينالون به مرضاته وجنته، فقال عز من قائل:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران:١٣٣]، وقال في موضع آخر:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[الحديد:٢١]، وامتدح أنبياءه وعباده الصالحين فقال عنهم:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء:٩٠]، فمن صفات المؤمن والمؤمنة أنهم يسارعون ولا يتأخرون، فالحياة مضمار سباق وتنافس كما قال سبحانه:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨]، ولقد حثنا نبي الهدى والرحمة على اغتنام العمر ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر).
فالحياة مجال واسع لفعل الطاعات وترك المنكرات، ولا شك أن من يعمل عملاً ينتظر ثمار هذا العمل، فالأجير ينتظر أجرته، والله أعظم معطي وأعظم مسئول، قال الله:{أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران:١٩٥]، وقال:{وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧]، فالله لا يضيع أجر العاملين والعاملات.