[صفة النار وعذابها]
إن النار دار الخزي والبوار، ودار العذاب والنكال، فكم حذر المولى منها وأنذر {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:١٥ - ١٦].
وأبوابها سبعة كما قال ربها: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:٤٣ - ٤٤]، قال تعالى عن خزنتها: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:٢٦ - ٢٨]، وقال: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤].
فقعرها بعيد، وحرها شديد، مقامعها من حديد، وطعام أهلها من النار، ولباسهم من النار، وفرشهم من النار، ومساكنهم من النار، وشرابهم من النار، فقد أطبقت عليهم النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
ويستغيثون فلا يستجاب لهم، ويصيحون فلا يسمع صياحهم: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:١٠٧]، فيأتيهم الرد بعد آلاف من السنين: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨]، ويكون هذا آخر عهدهم بصوت الرحمن تبارك وتعالى.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:٣٧].
وتغطي على أهل جهنم غيوم وسحب سود فيقال لهم: يا أهل النار! ماذا تتمنون؟ فيتذكرون الماء والمطر والشراب، فيقولون: ربنا أمطر علينا ماء وشراباً، فتمطر عليهم سلاسلاً تزيد في سلاسلهم، وأغلالاً تزيد في أغلالهم، ولهيباً يزيد في احتراقهم، فبئس من كانت هذه الدار داره، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:٥٠].
وطعامهم من ضريع {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:٧] {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:١٢ - ١٣]، فيغصون بطعامهم فلا هم يستطيعون إدخاله، ولا هم يستطيعون إخراجه، وطعامهم من شجرة الزقوم وما أدراك ما الزقوم! قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان:٤٣ - ٥٠].
يقول صلى الله عليه وسلم مبيناً بشاعة شجرة الزقوم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لغيرت على أهل الأرض معايشهم)، فكيف بمن تكون طعامه؟! وفي النار تضخم الصور وتضخم الأشكال، حتى أن مجلس الكافر في جهنم مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ جلد الكافر أربعين ذراعاً، وكلما نضجت هذه الجلود بُدِّلوا غيرها؛ ليذوقوا العذاب الشديد، فيرسل عليهم البكاء فيبكون ويستجيرون حتى تنقطع الدموع، فيبكون دماً حتى تخط في وجوههم مثل الأخاديد، ولو سيرت بها السفن لجرت، إنه العذاب الأليم الشديد.
فكم أنذر رب العزة وحذر: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٣٩ - ٤٠].
{فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:٢٠ - ٢١]، إنه الويل والثبور، إنه الحساب الذي لا حساب بعده، والوعيد الذي لا وعيد بعده.
إخواني! أما تحذرون من نار جهنم وما فيها من العذاب والنكال؟! واعجباً لمن يقرع سمعه ذكر السعير وهو بالله من عذابها غير مستجير!! أفيك جَلَد على الصديد والجحيم والزمهرير؟! أم بك جلد على نار وقودها الناس والحجارة؟! أم قد رضيت لنفسك هذه الخسارة؟! الحقيقة: أن العذاب لا يوصف، بل هو أعظم مما تتصور.