وبعد ذلك ارتدت العرب قاطبة عن دين الله ولم يبق على الإسلام إلا مكة والمدينة والطائف، ومرت بالمسلمين أزمة لا يعلمها إلا الله، وهي مصيبة فقد النبي ثم المصيبة الأخرى تجمع أولئك المرتدين على تلك الدولة الفتية، فتصدى لها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ولكل زمن رجال.
فمن فضائل هذه الأمة: أن الله يبعث لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.
فشاور أبو بكر الصحابة في أمر تلك الأزمة، فمنهم من رأى أن من الحكمة البقاء في المدينة حتى تنجلي الأزمة؛ لأن هناك جيشاً صغيراً أعده النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة شاب من الشباب في السابعة عشرة من عمره، وسبحان الله! قواد الجيوش شباب، وكتاب الوحي من الشباب، وكتاب السنة وحفاظها هم الشباب، وأهل المشورة هم الشباب، فأين الشباب اليوم عن هذا الدور العظيم؟! إن أمة الإسلام اليوم في أمس الحاجة إلى شبابها الذي تربى على تقوى من الله ورضوان.
لقد كان لـ أبي بكر نظرة في تلك الأزمة وهي: أنه لابد من الانتصار لهذا الدين مهما كان الثمن؛ لأن سنة الله لا تتغير ولا تتبدل، والله لا يحابي أحداً في سننه، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:٧].
فأشاروا على أبي بكر بالبقاء فقال: لا والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله! لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، أينقص الدين وأنا حي؟! فنصر الله الدين بشخص أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.