قال لي أحد الناجين: أنا أعمل في مصنع إسمنت مرتفع على جبل، فأحسست بزلزال في ساعة مبكرة من الصباح، فانطلقت إلى مكان عملي قبيل الساعة السابعة والنصف أو الثامنة، فشعرت بالأرض تتحرك، فخفت على أهلي ورجعت إلى البيت، فعندي زوجتان وعشرة أطفال، فدخلت الدار فإذا هم نيام، فاطمأننت عليهم ثم رجعت إلى مكان عملي، فما هي إلا لحظات حتى جاءت الأمواج وأخذت كل شيء، قال: كانت تلك النظرة الأخيرة لأهلي، فكأني ذهبت أودع أهلي وأطفالي العشرة والزوجتين، ففي لحظات ذهبوا مع من ذهب! قلت: فماذا رأيت؟ قال: رأيت عجباً! فما الذي حدث يا إخوان؟ إن إندونيسيا أكبر الدول المتضررة تبعد عن مركز الزلزال أربعين كيلو متراً، وفي المقابل آلاف الكيلو مترات في تايلند، والصومال أصابها الموج أقوى ما يكون! إن كان الموج قوياً على تلك الجهات على بعد مسافتها فأسألكم بالله ماذا تتوقع أن يحل بتلك الشواطئ؟ يقول لي: فلما ودعتهم واطمأننت عليهم رجعت إلى مصنع الإسمنت، وبعد لحظات رأيت أمواجاً سوداء تأتي من وسط البحر، فلما ضرب الزلزال في البحر انحسرت المياه داخل الأرض واختلطت بالحمم واللهب والنار التي توجد في قاع البحر، فاختلطت بها المياه وارتفعت درجات الحرارة، يقول: وعندما انحسر الماء داخل الأرض انحسرت المياه عن الشواطئ، وظهرت الأسماك، فالذين كانوا على شواطئ البحر دخلوا إلى البحر يجمعون الأسماك.
قال: وبعدها بلحظات رأيت أمواجاً سوداء ارتفاعها عشرون أو ثلاثون متراً تطوي الأرض طياً، سرعتها تجاوزت الستمائة أو السبعمائة كيلو متراً، وبدأ الصياح يأتي من كل مكان، ودرجات حرارة الأمواج مرتفعة جداً، وقد رأيت هذا في الجثث التي رأيناها، لقد احترقت تماماً، واحترقت الأشجار، والأراضي، والبيوت، واحترق كل شيء، فزيادة على الغرق يوجد حرق! يقول: رأيت أمواجاً سوداء تطوي الأرض طياً، ورأيت كل شيء يهلك أمامي ولا أستطيع أن أفعل شيئاً، فتذكرت أبنائي الذين تركتهم هناك، فذهبوا مع من ذهب.