للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصراط]

لا يزال البشر ينتقلون من موقف إلى موقف، ومن شدة إلى شدة، ومن هول إلى أهوال، لا يدرون إلى الجنة أم إلى النار يكون المصير، فينصب الصراط وهو أدق من الشعر، وأحد من السيف، ويؤمر الناس بالمرور، ومن تجاوز فإلى دار النعيم، ومن سقط فإلى العذاب المهين، فيعطى الناس نوراً في ذلك اليوم حتى يتجاوزوا ذلك الصراط، فمنهم من نوره يسعى من بين يديه ومن خلفه، ومنهم من يعطى نوراً كالجبل، ومنهم من يعطى نوراً كالكوكب الدري، ومنهم من يعطى نوراً في إصبع إبهام رجله، فيضيء له مرة فيقدم قدمه على الصراط، ويظلم مرة فيقف، والكلاليب تتخطف الناس وتهوي بهم إلى جهنم وبئس المصير، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكردس على وجهه في جهنم، والنبي صلى الله عليه وسلم على الصراط يقول: (اللهم سلم سلم)، فهل أعددت لذلك اليوم عدته؟ واسمع إلى أحوال أولئك الذين قدروا الله حق قدره فاستعدوا لذلك اليوم العظيم، بكى عبد الله بن رواحة يوماً وهو مضطجع على فخذ امرأته، فبكت المؤمنة من بكائه، فقال لها: ما الذي يبكيك؟ قالت: ما بكيت إلا لبكائك، فما الذي أبكاك؟ قال: تذكرت قول الجبار جل في علاه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:٧١]، يعني: وارد الصراط، لا يدري إلى الجنة يؤخذ به أم إلى النار، قال: تذكرت الصراط، وذلة الناس في ذلك اليوم العظيم، فبكيت عندما تذكرت ذلك، فهل أبكانا مثل ذلك اليوم؟ إنه يوم عظيم صوره الله فقال عنه: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم:٦٦ - ٧١]، {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:٧٢]، فهل نحن من المتقين؟ واسمع بعض صفاتهم في كتاب الله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:٣٢]، فالمتقون هم الناجون في ذلك اليوم، ومن صفاتهم: {وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام:٩٢]، {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:١٩]، {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:٢٦ - ٣٥].

فهذه صفات الناجين الذين قدروا الله حق قدره.