لاحظ الفرق بين همة هذا وهمة ذاك، أعرابي يعترض النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه فيقول:(يا محمد! أعطني من مال الله الذي أعطاك، فإنه ليس بمالك ولا بمال أبيك)، وتخيل همة ربيعة بن كعب الأسلمي وهو يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوضوئه ليلة، ثم يقول له النبي صلى الله عليه وسلم:(اسأل ما تريد، قال: أتمنى رفقتك في الجنة يا رسول الله!) فشتان بين من يطلب الجنة ومن يطلب توافه الأمور.
جاءت غنائم للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذ يوزعها بين أهل الصفة وبين المحتاجين، وأبو هريرة يرقب المنظر وهو من أهل الصفة لا يجد مكاناً يؤويه ولا لباساً يواريه ولا طعاماً يملأ بطنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بحاجته:(يا أبا هريرة أما تسألني من هذه الغنائم التي يسألني إياها الناس؟ فقال: يا رسول الله! أنا أسألك سؤالاً واحداً، فقال له صلى الله عليه وسلم: وما هو؟ فقال: أن تعلمني مما علمك الله).
أهل الدنيا وأهل الهمم الدنية يطلبون ما يواري جلودهم وما يملئون به بطونهم، أما أهل الهمم العالية فلا يرضون بدون الله تبارك وتعالى، قال: أنا أسألك أن تعلمني مما علمك الله، فقال صلى الله عليه وسلم:(أوَ غير ذلك؟ قال: هو ذاك)، يعلم أن الله يرفع أهل العلم درجات، يعلم أنه ما تقرب متقرب إلى الله بأفضل من طلب العلم الذي يوصله إلى أعالي الدرجات.
فبالعلم يعبد الله ويوحد، بالعلم يقدس الله ويمجد، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١] طريق الجنة طريق العلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة).
قال أبو هريرة رضي الله عنه:(فأخذ نمرة كانت على ظهري فوضعها بيني وبينه، حتى أني أرى دبيب النمل عليها، ثم أخذ يحدثني ويحدثني ويحدثني حتى قال: صرها إليك، فصررتها فأصبحت لا أسقط حرفاً واحداً من كلامه)، راوي الحديث الأول من؟ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ناقل السنة الصحيحة هو أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه.
أهل الدنيا يطلبون الدنيا وأهل الهمم العالية يطلبون ما عند الله تبارك في علاه.
أبو هريرة رضي الله عنه في آخر حياته يبكي ويقول: آه من قلة الزاد وطول السفر، روى أكثر من ستة آلاف حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يشكو قلة الزاد وطول السفر.