للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الصحابة مع الدنيا]

ثم سار أصحابه من بعده على نهجه ودربه ما شربوا المسكرات والمخدرات، ولا اتخذوا الجواري والقينات، وما أكلوا الأموال الربويات، ولا ألهاهم عن ذكر الله شاشات وقنوات، ولا ضيعوا الأوقات في مطاردة الفتيات في المجمعات.

اسمع من كلامهم وقل بارك الله فيك: أين نحن من هؤلاء؟! يقول أبو بكر لـ خالد رضي الله عنهم: (فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة، لا خير في مال لا ينفق في سبيل الله، ولا خير في قول لا يراد به وجه الله، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم).

أتعبت من بعدك يا خليفة رسول الله.

كتب عمر إلى ابنه عبد الله رضي الله عنهما في غيبة غابها: (أما بعد: فإنه من اتقى الله وقاه، ومن اتكل عليه كفاه، ومن شكر له زاده، ومن أقرضه جزاه، فأهل التقوى أهل الله، فاجعل التقوى عمارة قلبك وجلاء بصرك، فإنه لا عمل لمن لا نية له، ولا خير لمن لا خشية له).

كان يقول: (كل يوم يقال مات فلان ومات فلان، ولا بد من يوم يقال فيه مات عمر).

ولقد مات عمر لكن على أي حال؟!.

أما من كلام عثمان فقد كان يقول: (لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير).

كان يقول: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم).

لا عجب، فقد كان يقوم الليل كله بالقرآن! ولـ علي رضي الله عنه كلام فاسمع وتفكر! قال رضي الله عنه: (ألا إن لله عباداً مخلصين كمن رأى أهل الجنة في الجنة فاكهين، ورأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، قلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، حوائجهم خفيفة، صبروا أياماً قليلة لعقبى راحة طويلة، أما بالليل فصفوا أقدامهم في صلاتهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم: ربنا ربنا، يطلبون فكاك رقابهم وصلاح قلوبهم، أما بالنهار فعلماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح - يعني السهام، وشبههم بالسهام لأن أجسامهم ضامرة من الصيام والقيام - يقول: ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى، ووالله ما بالقوم من مرض؛ ولكن خالط القوم أمر عظيم.

وما أحلى وأجمل وصف الله لهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣]، فلما وصف نهارهم كان من المناسب أن يصف ليلهم فقال: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:٦٤ - ٦٦].