يقول أحد مغسلي الموتى: جيء بميت فلما ابتدأنا بتغسيله انقلب لونه كأنه فحمة سوداء، وكان قبل ذلك أبيض البشرة، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فوجدت رجلاً واقفاً فقلت: هذا الميت لكم؟ قال: نعم، قلت: أنت أبوه، قال: نعم، قلت: فما شأن ميتكم؟! قال الأب: إنه لم يك من المصلين، فقلت له: خذ ميتك فغسله أنت، أما حكم الله ورسوله في مثل هذا فهو ألا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يحمل على الأكتاف، بل يجر على وجهه وتحفر له حفرة في الصحراء يكب فيها على وجهه.
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[النحل:١١٨] فهل ترضى أن تكون مثل هذا؟! هذا من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الغواية.
أما أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الهداية: فيقول أحد مشايخنا: دفنا شاباً بعد صلاة الظهر وكان شاباً محافظاً على الصلاة في المسجد، ولما غسلناه وكفناه استنار وجهه وأشرق، فلما أتينا القبر وكنت ممن نزل في قبره لإنزاله قلت: باسم الله وعلى ملة رسول الله.
فإذا به أُخِذ مني واستقبل القبلة قبل أن أنزله، قلت لصاحبي: شعرت بما شعرت أنا؟ قال: سبحان الله! أُنزل من يدي قبل أن أنزله أنا في القبر، فلما كشفت عن وجهه وجدته يضحك، فداخلني الخوف بأن يكون حياً وأنا الذي غسلته وكفنته.
فسبحان من وفق لحسن الختام أقواماً، وخذل أقواماً! {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:٤٩].
قال ثابت البناني: كنا نشهد الجنائز فلا نرى إلا متقنعاً باكياً، واليوم تشهد الجنائز فترى العجب العجاب.
قال الأعمش: كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين، وإنما كان بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت، واليوم نشهد الجنائز وكثير من الناس يضحكون ويتحدثون ونداء ربهم يقرع مسامعهم {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}[الأنبياء:١].
اعلم رعاك الله أن من حمل الجنازة اليوم سيحمل غداً، وأن من رجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيرجع إليها غداً اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا في غرة، ولا تجعلنا من الغافلين.