[بيان السبب الرئيسي لهذه العقوبات]
عباد الله! لقد تحدثتْ جميع وسائل الإعلام عن هذا الحدث العظيم، وحللوا وعللوا وذكروا أسباباً عدة, ولكنهم للأسف لم يذكروا السبب الرئيسي لهذه الكارثة, فهل ربطوا الناس بربهم وخالقهم وبينوا أن الأمر كله لله؟ إنه حدث ضخم كبير, وزلازل مدمر يجب أن يوقف معه وقفات تأمل واعتبار, إن وسائل الإعلام الغشاشة الراعية أصلاً للعهر والفجور, لو نطقت بالحق وأخبرتنا خبر تلك الليلة لسمعت ورأيت ما يشيب له رأسك مما يجري في مراقص العهر وحانات الخمور وفنادق القمار.
قد يقول قائل: لقد كان فيهم راكعون وساجدون وأطفال ونساء، قلت: لقد أجابنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال حين قال: (أولئك يبعثون على نياتهم)، ولكن أما تأملت معي وتدبرت أن صلاتهم وصيامهم لم تمنع عنهم العذاب؟ أما قال صلى الله عليه وسلم مهدداً العرب: (ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج وحلق بأصبعيه, قالت أم المؤمنين: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال نعم إذا كثر الخبث).
عباد الله! إن الناظر في مجريات حياتنا، والمتأمل في واقعنا ومعاشنا سيصاب بالرعب والفزع بسبب ما نراه من انتهاك لحرمات الله وحدوده، وتضييع لأوامر الله وواجباته, فانظر إلى حال الناس في الصلاة، وما مدى محافظتهم على صلاة الجماعة؟ وكم هم الذين يشهدون ويواظبون على صلاة الفجر؟ والذي نفسي بيده، بالأمس فقط قال لي أحد الشباب: أنا لا أصلي، وقالت لي إحدى الفتيات: عمري عشرون سنة ولم أصل إلا من رمضان الذي مضى.
وانظر رعاك الله! إلى حال الناس مع أكل الربا والمسارعة إليه والحرص على المشاركة فيه! ألم تنتشر بنوك الربا في كل مكان؟! ألم تعلن الحرب على الله جل جلاله؟! ألم يدعى الناس للمساهمة في المعاملات الربوية، فسارع أكثرهم معرضين عن تهديد الله لهم: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩]؟! فأين الصالحون؟! ثم انظر إلى انتشار الرشوة بين الناس، والتي قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها ومعطيها، فلا تقضى لك حاجة ولا ينجز لك عمل حتى تكون من الملعونين الراشيين والمرتشين! فأين الصالحون؟! أما نظرت إلى الأسواق وقد امتلأت بالفسقة والفاسقات، واللاهثين خلف الشهوات والمحرمات؟ أما آلمك ما آل إليه حال النساء من تبرج وسفور؟! فأين الصالحون؟! أما رأيت آلاف الشباب وهم يعبرون الجسور ويركبون الطائرات إلى دول مجاورة، وإلى دول قريبة يذهبون لشرب الخمور ومعاقرة الزنا والفجور؟! فأين الصالحون؟! أما بلغ مسامعك الموسيقى والألحان ومعازف الشيطان، فتسمع في كل لحظة وفي كل مكان؟! بل أكثر مما يسمع القرآن؟! فأين الصالحون؟! ألم تر وتسمع ماذا فعلت بنا الشاشات والأطباق الفضائيات؟! والله ما فرح الشيطان وأعوانه من الإنس والجان بمثل فرحهم بهذه الأطباق التي فعلت بالأمة فعلها, فضيعت الأمة دينها, وفسدت عقيدتها, ودمرت أخلاقها, حتى وصل الأمر أن يقع الأب على ابنته، والأخ على أخته, فانتهكت المحارم وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله لا تنجو المجتمعات إلا بالصالحين المصلحين، الآمرين بالمعروف, الناهين عن المنكر, الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.
ما أحلم الله! لكنه يمهل ولا يهمل, إننا والله نخشى أن تنزل علينا عقوبة الله بسبب أمننا من مكر الله تعالى وعقوبته, قال الله: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَو يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَو يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَو يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل:٤٥ - ٤٧].
أما قال الله حين أهلك القرى الظالمة العاصية: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣]، هل بيننا وبين الله حسب؟ وهل بيننا وبين الله نسب حتى نأمن مكره وعقوبته؟! {قُلْ هو الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَومِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهو الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ * لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:٦٥ - ٦٧].
عجيب والله أمر الناس! الزلازل والفيضانات تضرب غرب الأرض، والناس في شرقها يضحكون ويمرحون، عجيب والله أمر الناس! الزلازل والفيضانات تضرب غرب الأرض، والناس في شرقها يضحكون ويمرحون في غمرة ساهون، لذلك قال الله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:٥٤ - ٥٦].
يا أم أيمن قد بكيت وإننا نلهو ونمجن دون معرفة الأدب لم تبصري وضع الحديث ولا الكذب لم تشهدي بعض المعازف والطرب لم تشهدي شرب الخمور ولا الزنا لم تلحظي ما قد أتانا من عطب لم تشهدي فرق الضلالة والهوى لولا مماتك لرأيت من العجب لم تشهدي فعل العدو وصحبهم ها نحن نجثو لليهود على الركب وا حر قلبي من تمزق أمتي أضحت أمورك أمتي مثل اللعب والله ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب، قال الجبار: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} [الزخرف:٥٥ - ٥٦].
ولا تظنن أن العقوبات إنما تكون زلازل وبراكين، بل قد تكون حروباً وذهاباً للأمن والأمان, وقد تكون عقوبات اقتصادية، وسوء للأوضاع المالية فهل نحن مدكرون؟! نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.