ثم لما أقام النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، أقام بينه وبينهم عهوداً ومواثيق وحسن جوار، فلم يزالوا ينقضون العهود والمواثيق، ويبرمون الخيانات، ويكيدون المكائد حتى نفد صبر النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ بإجلائهم من المدينة، وذلك بعد تجرئهم على نساء المسلمين، فبينما امرأة من المسلمات في سوق بني قينقاع تبيع قطعة ذهب لها، جلست إلى صائغٍ يهودي تشتري منه، وكانت محجبة الوجه، فجعل نفر منهم يستهزئون بها وبحجابها، ويطلبون منها أن تكشف وجهها وتأبى هي ذلك، فالعفيفة لا تكشف وجهها ولا تتخلى عن حجابها، فقد تخرج للسوق لحاجة لكنها لا تتخلى عن حيائها، فعمد الصائغ اليهودي إلى طرف ثوبها من الخلف وعقده إلى ظهرها وهي جالسة دون أن تشعر المرأة بما فعل ذلك اليهودي، فلما قامت انكشفت سوأتها فانطلقت من اليهود ضجة ضحك وسخرية بالمرأة المسلمة العفيفة الطاهرة، فلما أحست المرأة بما فعل الصائغ بها من مكر صاحت واستغاثت بالمسلمين لشرفها المهان في سوق يهود، رفعت صوتها وا إسلاماه! وا إسلاماه! وا إسلاماه! فوثب رجل من المسلمين -استجابة لتلك الصيحات- على الصائغ فقتله في الحال، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فغضب المسلمون لمكر يهود وخيانتهم، فنبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدهم كما أمره الله:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال:٥٨]، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى قتالهم، فحاصرهم في حصونهم خمس عشرة ليلة، وألقى الله في قلوبهم الرعب، ولم يستطيعوا أن يصمدوا لقتال المسلمين، وهكذا هم جبناء أذلاء يخافون من أطفال الحجارة، فكيف لو ملك أطفال الحجارة المدفع والدبابة؟! ولما طال عليهم الحصار نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم وأمكن الله نبيه منهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجالهم، وسبي نسائهم، ومصادرة أموالهم لاعتدائهم على أعراض المسلمين، فتدخل رأس النفاق ابن سلول فقال: يا محمد! أحسن في موالي، وكانوا حلفاء له قبل الإسلام، وما زال المنافق يلح على النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم كارهاً:(هم لك)، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وخرجوا منها أذلة صاغرين.
نعم، فلقد تطاولوا على أعراض المسلمات فثارت ثائرة المسلمين، واليوم من يدافع عن أعراضنا في فلسطين وفي الشيشان وكشمير وهنا وهناك؟! يا ألله! فكم ارتفعت أصوات المسلمات والآهات فما وجدت آذاناً صاغية! أذكر إخوتي في كل أرض بأن القدس دنسها اليهود ويا عجباً إلى ما النوم عنها وقد لعبت بمسجدها القرود لئن كانت موانعنا قيود أما للقيد كسر يا أسود أما لليل من أجل قريب يحل مكانه فجر جديد وقال آخر: أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه للدين النحيب فحق ضائع وحمىً مباحٌ وسيف قاطع ودم صبيب أمورٌ لو تأملهن طفل لطفل في عوارضه المشيب أتسبى المسلمات بكل ثغر وعيش المسلمين إذاً يطيب أما لله والإسلام حق يدافع عنه شبانٌ وشيب فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكمُ أجيبوا