للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[توبة كاذبة]

قال منصور بن عمار: كان لي صديق مسرف على نفسه ثم تاب، وكنت أراه من العباد والقوام والصوام، أراه كثير العبادة والتهجد ففقدته أياماً، فقيل لي: هو مريض، فأتيت إلى داره فخرجت إلي ابنته فقالت: من تريد؟ قلت: قولي لأبيك فلان، فاستأذنت لي ثم دخلت فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه وقد اسود وجهه، وذرفت عيناه، وغلظت شفتاه، فقلت له وأنا خائف منه: يا أخي! أكثر من قول لا إله إلا الله، ففتح عينيه فنظر إلي بشدة ثم غشي عليه، فقلت له ثانياً: يا أخي! أكثر من قول لا إله إلا الله، ثم كررتها عليه ثالثاً, ففتح عينيه فقال: يا أخي منصور! هذه كلمة قد حيل بيني وبينها! فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قلت له: يا أخي! أين تلك الصلاة والصيام والتهجد والقيام، فقال: كان ذلك لغير الله، وكانت توبتي كاذبة، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأذكر به، وكنت أفعل ذلك رياءً للناس، فإذا خلوت إلى نفسي أغلقت الأبواب وأرخيت الستور وشربت الخمور وبارزت ربي بالمعاصي، ودمت على ذلك مدة، فأصابني المرض وأشرفت على الهلاك، فقلت لابنتي هذه: ناوليني المصحف، فقلت بعد أن أخذت المصحف: اللهم بحق كلامك في هذا المصحف العظيم إلا ما شفيتني ورفعت عني البلاء، وأنا أعاهدك ألا أعود إلى ذنب أبداً.

ففرج الله عني، فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو واللذات وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدة من الزمن، فمرضت مرة ثانية أشرفت حينها على الهلاك والموت، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي ثم دعوت بالمصحف وقرأت فيه ثم رفعته وقلت: اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلا ما فرجت عني ورفعت عني البلاء، فاستجاب الله مني وفرج عني، ثم عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والضياع ما كأني عاهدت الله ألا أعود، فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني، ثم دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد منه، فعلمت أن الله سبحانه قد غضب علي فرفعت رأسي إلى السماء وقلت: اللهم فرج عني يا جبار السماء والأرض، فسمعت كأن هاتفاً يقول: تتوب عن الذنوب إذا مرضت وترجع للذنوب إذا برأت فكم من كربة نجاك منها وكم كشف البلاء إذا بليت أما تخشى بأن تأتي المنايا وأنت على الخطايا قد لهوت قال منصور بن عمار: فوالله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات، فما وصلت الباب إلا وقيل لي إنه قد مات.

وحيل بينهم وبين ما يشتهون.

نعم أحبتي! التوبة ليست نطقاً باللسان، إنما هي ندم بالقلب وعزم على عدم العودة إلى الماضي المرير، ومن شروط صحة التوبة أن تكون قبل معاينة أمور الآخرة، فمن باشره العذاب أو عاين الموت فقد فاته موسم القبول.

والله ما صدق صادق فرد عن الأبواب، ولا أتى الباب مخلص فصد عن الباب، ورب الأرباب، إنما الشأن في صدق التوبة، لذلك قال الله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩].

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا واغفر لنا ربنا ذنباً جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا لما تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا لما وصلنا الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله فأين الشباب اليوم؟ أين الصادقون؟ أين الذين يتوبون ثم يستقيمون ويصدقون؟ إن الأمة اليوم في أمس الحاجة لشبابها وفتياتها الذين يعتزون بدينهم ويتمسكون بعقيدتهم ويفخرون بماضيهم، فوالله الذي لا إله إلا هو لا زال في أمتنا خير وفي شبابها خير، وفي فتياتها خير، بل حتى في أطفالها خير.