للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ترك شيئاً لله

هذا مبتلىً بالذنوب والمعاصي تركها من أجل الله فجاءه العوض من الله جل في علاه، كان مولعاً بالغناء محباً للطرب، ومما زاد حبه لهذه المعصية ذلك الصوت الجميل الذي وهبه الله له، صوت شجي خلاب يحرك المشاعر والأحاسيس، لم يكن يفكر في حرمة الغناء وعواقبه، كان تفكيره كيف يكون مشهوراً ويظهر أمام الناس، فسعى إلى شهرة الباطل وأخرج شريطاً غنائياً وأخذ يوزعه بين أهله وأصحابه وأقاربه.

زاره يوما أحد أقاربه من مدينة بعيدة ومعه شاب صالح، وباتا عنده، فلما سمع ذلك الشاب الصالح عنه وعن أغانيه وعن صوته الجميل قال له: ليت هذا الصوت الجميل كان يرتفع ويصدح بالقرآن بدلاً من مزامير الشيطان، أما سمعت قول الله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء:٦١ - ٦٥].

فأثرت تلك الكلمات والآيات فيه ووجدت قبولاً في قلبه، فلما جن الليل ونام النائمون استيقظ التائبون، يقول قريبه الذي كان يزوره: بينما نحن نائمون يغطينا ظلام الليل الدامس والسكون يملأ المكان استيقظت على صوت بكاء، فإذا بقريبي المغني ساجد لله في صلاته يشهق من البكاء ألماً وندماً على ما فرط في جنب الله.

ففرحت لبكائه وندمه وأنه ترك الماضي بكل ما فيه، وأقبل على الله يرجو ما عنده فكان العوض من الله، عوضه الله خيراً مما ترك، أصبح يحب القرآن يغدو ويروح مع آياته، يترنم بالآيات بالليل والنهار، أخذ يتعلم علم القرآن وفن التلاوة حتى صار إماماً وقارئاً يشار إليه بالبنان لجمال صوته وخشوعه في صلاته.

فسبحان مغير الأحوال! صدق في توبته فصدق الله معه، وترك من أجل الله فعوضه الله خيراً مما ترك، وأي عوض أجمل من القرآن؟! يا الله! ما أجمل التوبة! وما أجمل العودة إلى الله! {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١].

قل للذي ألف الذنوب وأجرما وغدا على زلاته متندما لا تيأسن من الجليل فعندنا فضل ينيل التائبين تكرما يا معشر العاصين جودي واسع توبوا ودونكم المنى والمغنما لا تقنطوا فالذنب مغفور لكم إني الجدير بأن أجود وأرحما {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢].